الناس اعتزلوهم (1). فأهل هذا الحي لا يجهلهم أحد من الصحابة، ولقد حددتهم روايات صحيحة وشهدت حركة التاريخ على خطاهم. فالنبي حذر من طريق النقص الذي أصاب بني إسرائيل في الوقت الذي أشار فيه باعتزال بني أمية ومن على شاكلتهم، وقوله: لو أن الناس اعتزلوهم وفيه إشارة بأنهم لن يأخذوا بالأسباب.
وعندما جاء معاوية ووضع ثقافة السب، تراجع الدين عند الذين أكلوا من زاد هذه الثقافة. وهذا أمر طبيعي لساحة لم يدر أصحابها مع القرآن، واختاروا حارسا غير الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم لحفظ الإسلام، لأن من سنن الوجود أن ما لا أس له يهدم وما لا حارث له ضائع. ونحن هنا سنلقي ضوءا على معالم الضياع. وفي البداية نقول إن حذيفة سجل لنا معالم الخفوت قبل وفاته (2) فقال: إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان (3). وقال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون (4)، وقال:
".... ابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا " (5)، وفي لفظ البخاري:
" فابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف " (6)، فإذا كان هذا قد حدث في ساحة لم يكن معاوية على الكرسي الأول فيها، فما بالك إذا جلس معاوية ووصف نفسه بأنه أعلم الناس بشؤون الدنيا والآخرة.
كانت الساحة بها خفوت، ثم جاء الضياع بعد ذلك. فعن زياد بن جارية أنه دخل مسجد دمشق وقد تأخرت صلاة الجمعة بالعصر. فقال: والله ما