يصر عليها معاوية. أخبر عنها وعن غيرها النبي فقال: كيف أنتم إذا لبستم فتن يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة. فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة (1). إنها الفتن التي تنسف العبادة نسفا، وتترك الناس لا يعقلون فتن اللسان فيها أوقع من السيف. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الفتنة تجئ فتنسف العبادة نسفا، وينجو العالم منها بعلمه " (2)، وهل ثقافة السب تحافظ على عبادة أو تنفع معها عبادة، لقد ألقوا في الساحة بأحاديث يزاحم بعضها بعضا. وتمهد لخروج أكثر من سبعين فرقة كل فرقة معها أحاديثها. وكل فرقة لها لسان يضرب كضرب السيف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
" ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف (3). قال في عون المعبود: وصفت الفتنة بهذه الأوصاف بأوصاف أصحابها. أي لا يسمع فيها الحق، ولا ينطق به، ولا يتضح الباطل عن الحق، وقيل المعنى: لا يميزون فيها بين الحق والباطل، ولا يسمعون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل من تكلم بحق أوذي ووقع في المحن، ومن أشرف لها: أي من اطلع عليها وقرب منها. استشرفت له. أي: اطلعت تلك الفتنة عليه وجذبته إليها. وإشراف اللسان. أي: إطلاقه وإطالته كوقوع السيف أي: في التأثير (4).
وإذا كان إشراف اللسان في هذه الفتنة كوقوع السيف، بمعنى إذا كانت الكلمة في هذه الفتنة تعمل عمل السيف. فإن الذين سبوا عليا يكونوا في منزلة الذين قتلوه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله " (5). وبهذا تكون بني أمية بثقافة السب قافلة من القتلة ولا يعرف حقيقتهم إلا العالم. وشاء الله أن يكون على امتداد تاريخ