قتال حق، وأن المال الذي اكتسبه بمخالبه حلال، وأن حركته في الحياة هي الحركة الصحيحة. فجيش الشيطان لا ينتظم فيه مخلوقات من الكواكب الأخرى، وإنما ينتظم فيه الذين يحملون بين ضلوعهم قلوبا ليست قلوب إنس، ويسيرون نحو أهداف ترفضها الفطرة. ويرفعون أعلام يعتمد مضمونها على الزينة من أجل إغواء الناس ثم السير بهم في طريق التلجيم والاحتناك.
لقد كان الإمام يحذر من التثاقل إلى الأرض، ويدعو الناس كي يأخذوا بالأسباب نحو الحياة الكريمة، وهو خير دليل على ذلك. فهو قد أخبركم بأنه مقتول، والمقتول هو الذي يدعو للقتال. ولكن ذهب نداء الإمام في عالم.
وكأنه عالم السكون، حيث لا ومض ولا نبض ولا صوت إلا من رحم الله، ويقابل هذا العالم عالم آخر يتحرك بالذهب والفضة والتمر، إنه عالم معاوية.
ومعاوية لم يكن بعيدا عن الساحة بعد التحكيم، فلقد أصبح له حضور بعد أن سلم عليه ابن العاص بالخلافة. كانت له عيون في كل مكان، وكان يتابع حركة جيش العراق قبل النهروان وبعدها، لأنه كان على يقين أن عليا لن يتركه وسيأخذ بجميع الأسباب لكي يدمر قشرته. وتدمير القشرة يعني أن الأيام به لن تطول، وهو يريد المزيد والمزيد، لهذا تحرك معاوية في جميع الجبهات، وكانت مقدمته في كل جبهة الذهب والفضة.
وروي أن قوما من المدينة لحقوا بمعاوية. فكتب سهل بن حنيف الأنصاري (1) إلى أمير المؤمنين بذلك، فرد عليه أمير المؤمنين بخطاب جاء فيه: أما بعد. فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية، فلا تأسف (2) على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم. فكفى لهم غيا (3) ولك منهم شافيا (4) فرارهم من الهدى والحق،