الموت في سكرة، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون، وكأن أبصاركم كمة فأنتم لا تبصرون. لله أنتم، ما أنتم إلا أسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، ما أنتم بركب يصال بكم ولأذى عز يعتصم إليه. لعمر الله بئس حشاش الحرب أنتم. أنكم تكادون ولا تكيدون، وينتقص أطرافكم ولا تتحاشون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون. إن أخا الحرب اليقظان ذو عقل وبات لذل من وادع وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب. ثم قال أمير المؤمنين: أما بعد، فإن لي عليكم حقا، وإن لكم علي حقا، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ما صحبتكم، وتوقير فيئكم عليكم وتعليمكم فيما لا تجهلون وتأديبكم كي تعلموا، وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصح لي في الغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، الطاعة حين آمركم. فإن يرد الله بكم خيرا انتزعوا عما أكره، وتراجعوا إلى ما أحب، تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون (1).
إن الخذلان شذوذ قديم ضرب بجذوره في أعماق الأرض، والشيطان في حركته لا يحب شيئا متماسكا. فإذا كان لا بد من التماسك فيجب أن يكون وفقا لبرنامجه. والشيطان عندما يقوم بتفكيك جسد ما فإن أدواته لا بد وأن تكون من صنع البيئة التي يريد أن يفكك جسدها. وأمير المؤمنين وجه إليهم الدعوة، كي يواجهوا حركات التفتيت والتفكيك التي يذيع دعاتها أنهم على قلب رجل واحد ويتوجهون نحو هدف واحد، ولكن القوم تلقوا دعوة الإمام، وهم بين المعتل أو المكره، وقيل منهم من نشط، وفيما بعد جاء التثاقل إلى الأرض بجميع أمراضه، لأن التثاقل فراش ممهد تتحرك فيه أجهزة ومؤسسات الصد بكل سهولة ويسر، فالمتثاقل لا يرد إلا الحياة الدنيا، والشيطان له أساليبه في مخاطبته في هذا الباب. وشاء الله تعالى أن من يتثاقل عن نصرة الحق، خوفا من الموت أو غيره أو طمعا في مال أو غيره، أن يجعله ينفر ويهب عند سماعه بوقا للشيطان، فينتظم في جيشه، ويصطف في خيله ورجله، ويزين له الشيطان هناك أن قتاله