وكز أبا موسى فألقاه لجنبه (1) وانطلق عمرو إلى معاوية وسلم عليه بالخلافة (2).
وهكذا انتهى التحكيم بين المسلمين. لقد اشترط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على الحكمين أن يحكما بكتاب الله ولا يتبعان الهوى ولا يداهنان.
فلم يأخذا من كتاب الله إلا مثلين ضربهما الله. مثل الحمار ومثل الكلب، وضرب كل واحد منهما صاحبه بمثل. ومن أجمل ما قرأت في هذا المقام. قول الأستاذ العقاد وهو يعلق على التحكيم قال: كلب وحمار فيما حكم به على نفسيهما غاضبين. وهما يقضيان على العالم بأسره ليرضى بما قضياه. وانتهت المأساة بهذه المهزلة. أو انتهت المهزلة بهذه المأساة (3).
ومن أطرف الآراء التي قرأتها عن التحكيم ورأي ابن كثير، فلقد قال:
فقال عمرو: إن هذا قد قال ما سمعتم وأنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان وهو أحق الناس بمقامه. ثم يعلق ابن كثير على ما فعله ابن العاص فيقول: وكأن عمرو رأى أن ترك الناس بلا إمام والحالة هذه يؤدي إلى مفسدة طويلة عريضة أربى مما الناس فيه من الاختلاف.
فأقر معاوية لما رأى ذلك من المصلحة. والاجتهاد يخطئ ويصيب (4)، فيا ترى هل في هذا إقرار لفقه الكيد والمكر تحت عنوان: إن ابن العاص خاف على الأمة أن تنام ليلة واحدة بدون إمام؟ لأن من مات في هذه الليلة فستكون ميتته ميتة جاهلية. فلهذا أسرع بتنصيب إمام الزمان معاوية. وهو من هو وأسرته لها فضل عظيم على الإسلام والمسلمين. وإذا كان ابن كثير يرى أن ابن العاص لو لم يفعل ذلك لوصل الأمر إلى مفسدة طويلة. فابن كثير كواحد من كتاب التاريخ يعلم قبل غيره، أن الاختلاف والافتراق على امتداد التاريخ بعد صفين يعود أصله