المعركة. وبعد المعركة، ونظرا لأن القوات متماسكة، تحدث أمير المؤمنين في معسكره وقال: إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم. فقالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا. فأرجع إلى مصرنا فلنستعد بأحسن عدتنا. ولعلك تزيد في عدتنا عدة من هلك منا، فإنه أوفى لنا علي عدونا (1).
فسمع أمير المؤمنين منهم وأقبل حتى نزل النخيلة، ثم أمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتى يسيروا إلى عدوهم. فأقام الناس في معسكرهم أياما، وكان أمير المؤمنين يجهز للمعركة في هذه الأيام، ولكن الحال لم يدم على هذا طويلا، فالناس بدؤوا يتسللون من معسكرهم حتى خلا المعسكر. وعندما رأى أمير المؤمنين ذلك، دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه في المسير (2). وخطب في الناس تلك الخطبة التي بكر فيها وهو يحثهم على العمل ليلتقي الشعار بالشعور، ثم خطب فيهم مرة أخرى فقال: أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده، حيارى في الحق جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين يعمهون في الطغيان، ويعكسون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا، وكفى بالله نصيرا (3).
ولكن القوم لم ينفروا فتركهم أمير المؤمنين أياما، حتى إذا آيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ليسألهم عن رأيهم. فقام فيهم خطيبا فقال: عباد الله ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، وبالذل والهوان من العز، أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من