الخلافة معروفة، وهي تنسجم إلى حد كبير مع الذين فرقوا دينهم شيعا. لهذا قلنا إن التخاذل وضعت بذرته عند رفع المصاحف، وإن الإمام علم هذا منذ البداية ولهذا أمرهم بالقتال. فلما أبوا عليه بدأ يضع حجته على كل رأس وفي كل خيمة، وعندما تبين الجميع نتيجة الخدعة، دعاهم الإمام إلى أمرة الله، ولكن دعوته واجهت ساحة أوسع من التخاذل، نتيجة لإعلام لم يعد يتحدث عن رفع المصاحف، وإنما يتحدث عن تحكيم أعطى الخلافة لمعاوية، يقابله إعلام الخوارج الذي دق وتدا فيه أن الخلافة لكل العرب.
وبذرة التخاذل عندما وضعت وجدت من يرعاها. وهناك دائرتان خرج منهما الماء لهذه البذرة:
الأولى: أن الله تعالى جعل للشهادة في سبيله مقاييس ومعايير، وجعل الجنة للمؤمنين من عباده، والطريق إلى الجنة يمر بابتلاءات وامتحانات عديدة.
وكلما كانت الأجيال قريبة من عهد النبوة كانت الابتلاءات أقوى وأشد. وفي عهد الإمام علي كان الإمام يحدث أتباعه بأن معاوية سيظهر عليهم وأن هذا أمرا لا مرد له. ثم يأمرهم الإمام بعد ذلك بأن يأخذوا بالأسباب لوقف هذه الفتنة التي هي نتيجة لمقدمة أوجدتها. فموقف كهذا لا يحتاج إلا إلى قلب مؤمن يعلم أن الغيب لله وأن الأخذ بالأسباب تكليف إلهي للإنسان. لهذا فلا بد أن يأخذ به، وأن معركته لن تكون بحال معركة خاسرة رغم ظهور عدوه في نهايتها، وأنه قد لا يشهد انتصاره، ولكن بالتأكيد ستأتي أجيال تذكر أعلامه وخطاه. وعلى ذلك قاتل العديد حول الإمام، كانوا يقاتلون بأمر الله عدوا ما زال في علم الله بهدف حماية الفطرة، للوصول إلى غاياتهم العليا بعد الموت، فهنا يكمن الإيمان الحق، إيمان الأحرار لا إيمان التجار.
وفي عهد الإمام علي، كان الاختيار عظيما. فعلى مدى سنتين تقريبا خاض الإمام ثلاث معارك، كان لكل معركة منهم حصيلتها من أحاديث الإخبار بالغيب. وعندما قتل أكثر الصحابة في هذه المعارك أخذ أماكنهم رؤساء القبائل.
ومنهم من أبلى وقاتل ابتغاء مرضاة الله، ومنهم من كتب إلى معاوية بعد أن علم أنه سيظهر والتمس عنده الأيادي. وأغلب الظن أن الخوارج خرجوا من بطن