تولي الوظائف العامة وكممت أفواههم، وضيقت عليهم معيشتهم، ونفرت الناس منهم، فأذلوا وعزلوا تماما وصاروا غرباء كغربة الإسلام والإيمان!! وهم من عناهم النبي بقوله: (فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس). (راجع سنن الدارمي ج 2 ص 311 - 312 وصحيح مسلم ج 1 ص 130 وصحيح الترمذي ج 5 ص 18) اسم الإسلام ورسمه، والقرآن الكريم بين دفتين، وأهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعا كل ما تبقى من الإسلام، وعمق الشعور بالإحباط وجذر المصيبة وضاعفها أن دولة الخلافة قد أجبرت أهل بيت النبوة وآل محمد وقدامى المحاربين وكافة أفراد الفئة المؤمنة على الجلوس على مقاعد التلاميذ وقصرت دورهم على الاستماع والموافقة، بعد أن سلمت الإمرة والقيادة ومنصب (الأستاذية والتعليم) إلى القضاء وحديثي العهد بالإسلام المتأخرين بالقوة وأمرتهم، وأخرت المتقدمين السابقين بالقوة وأجبرتهم على الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضا!!!
ولم تكتف بذلك إنما خلطت الأوراق خلطا عجيبا!! فلم يعد المراقب المنصف يدري بالفعل أيا من أي كما قال الرسول وحذر!!
وهكذا اقتصرت مهمة الدين على حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة وإثبات شرعية وقائعه وظواهره التي تمخضت عنها الحركة السياسية لمسيرة الخلفاء المتغلبين من بعد النبي!!! وهرولت وراءهم الأكثرية الساحقة من الأمة طمعا برغيف العيش وبقيا منها على الحياة وتربت هذه الأكثرية تحت قبة الرأي والتأويل المفضي مباشرة إلى فقه الهوى، ونشأ فقه الهوى بالفعل وصار هو القانون النافذ في المجتمع، وتمكن هذا الفقه من النفوس، وظهر أو أظهر بصورة الدين الإسلامي وثوبه، وألقى هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!! فعليك أن تقبل به وبتاريخ ما بعد النبوة معا، أو ترفض الدين وهذا التاريخ معا!! فهما وجهان لعملة واحدة، وكل جيل كان يسلم راية فقه الهوى للجيل الذي يليه، فأشربت قلوب المسلمين كليات وتفاصيل هذا الفقه بما كسبت أيديهم، وكانت الأجيال كلها تتحرك تحت أشراف وسطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه ورعوه..