التاريخية، والذي يقوم على تأخير أهل بيت النبوة، والحط من شأنهم، وعدم الاعتراف بمكانتهم المميزة في الأمة، وعدم تصديق ادعائهم بأنهم ورثة النبي، وأصحاب الحق الشرعي بقيادة الأمة وإظهارهم وإظهار من والاهم بصورة من ينازع الأمر أهله، وبصورة الطامعين بالسلطة، المتربصين بشق عصا الطاعة، وتفريق الأمة والجماعة، ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن ثقافة تاريخ دولة الخلافة مكرسة لإثبات تلك المزاعم ولإثبات شرعية حكم أولئك التي استولوا على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع!!
هذا المناخ القائم على تحريف الحقائق أدى إلى عزل أهل بيت النبوة، وعزل أوليائهم، وحرمان الأمة والعالم من الاستفادة من أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، وعلى سبيل المثال فإن أئمة أهل بيت النبوة كانوا يعرفون معرفة يقينية التفاصيل الكلية والجزئية لنظرية المهدي المنتظر قبل أن يكتشفها علماء شيعة الخلفاء بمائة عام ونيف، ولكن الأئمة كانوا محاصرين من دولة الخلافة، ومراقبين هم وأوليائهم مراقبة دقيقة من قبل عيون تلك الدولة وجواسيسها الذين كانوا يترصدون كل ما يصدر منه ليجدوا لأنفسهم السبيل لإيذائهم أو قتلهم أو تشريدهم أو تطريدهم!! ولما فتحت أبواب رواية الحديث وكتابته بعد مائة عام من المنع، ألقت الدولة وكل أعوانها بثقلهم كله للتشكيك بكل ما يصدر عن أئمة أهل بيت النبوة، وعن أوليائهم وفي أحسن الأحوال صار حديث إمام أهل بيت النبوة كحديث بعض الرواة!!!
ثم إن الأحاديث التي روتها طواقم معاوية وعماله، والهادفة إلى محق مكانة أهل بيت النبوة، والقضاء على فضائلهم، وإظهارهم بصورة أفراد عاديين من الصحابة. هذه الأحاديث ألقت بظلها القاتم على كل شئ، لأن معاوية لما تم له ما أراد من جمع عشرات الألوف من الأحاديث التي اخترعها رواته وعماله، عمم هذه الأحاديث على الناس، وفرض على الخاصة والعامة تعلمها، ثم تناقلتها الأجيال معتقدة بصحتها وهي باطلة من أساسها، ولما انقضت مدة الألف شهر السوداء، واستولى العباسيون على منصب الخلافة بالقهر والتغلب كما فعل الأمويون من قبلهم، وجد الناس مناهج تربوية وتعليمية جاهزة، وأحاديث موثقة.