والخلاصة أنه وبعد موت النبي، وحل عرى الإسلام، والاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحلول الآراء محل النصوص والعمل بالاجتهادات، مع وجود النصوص الشرعية، رفع الحكم الإسلامي عمليا من واقع الحياة، ولم يبق من الإسلام إلا الهيكل أو الشكل الخارجي اللازم للمحافظة على الملك وتوسيعه باسم الإسلام.
بمعنى أن حكما وضعيا له طبيعة دينية قد دخل الساحة الدولية المكتظة بالأحكام والمنظومات الوضعية، والمستندة إلى الآراء الشخصية القابلة للصواب والخطأ، وأن الساحة الدولية قد خلت تماما من أي منظومة حقوقية إلهية، ومن أي ترشيد إلهي عملي لحركة العالم السياسية، مما يعني أن المناخ الملائم لنشوء الظلم ونموه وترعرعه قد نشأ، وأخذ ساعد الظلم يشتد بهذا المناخ يوما بعد يوم، حتى ألقى الظلم أجرانه على الأرض فعلا، فالناس يقدسون اليوم عقيدة وضعية، وتتبناها دوله، وتقدمها على أساس أنها أكسير الحياة، وبعد تطبيقها وبوقت يطول أو يقصر يكتشف الناس فساد هذه العقيدة، وتعترف الدولة بهذا الفساد وتأتي عقائد أخرى، ثم تموت، ولا تثمر إلا الظلم والمعاناة، حتى صار الظلم من أبرز الموجودات على وجه الأرض.
بعد أن يجرب العالم كل شئ، ويلجأ لكل رأي، ويختبر كل عقيدة وضعية، ثم يكتشف أن ما جرب وما لجأ إليه، وما اختبر، لم يثمر إلا الظلم وعندما يحس كل واحد من أفراد الجنس البشري بوطأة الظلم وهوله، وعندما تمتلئ الكرة الأرضية، ويكتوي الجميع بنار الظلم، هنالك فقط يعرفون قيمة القسط والعدل، عندئذ يظهر الإمام المهدي المنتظر ومعه عقيدة الإسلام من أنقى المصادر، فيقوم بتطبيقها، فتثمر الحكم الإلهي ويثمر الحكم الإلهي العدل والقسط، وعندما يذوق أبناء الجنس البشري طعم العدل الحقيقي يعشقونه، ويعشقون الذي جاء به ويكرهون الظلم الذي كوى قلوبهم، وبفترة وجيزة، تقتلع جذور الظلم من الكرة الأرضية، ويحل محلها العدل المطلق، والقسط المطلق الذي يتولى المهدي المنتظر وبالإشراف الإلهي نشرهما، حتى يلقيا أجرانهما في الأرض. وهذا هو الجانب الحقوقي من عصر المهدي المنتظر الذهبي..