عصر ما بعد النبوة، ولكن ظروفا قاهرة قد حالت بينهم وبين ممارسة حقهم بقيادة الأمة، فكان كل واحد منهم هو الإمام الشرعي للأمة المختار من الله سبحانه وتعالى والمعلن عن إمامته من رسول الله، ولكن الخليفة المتغلب في زمن كل إمام حال بينه وبين ممارسة حقه الشرعي، بإمامة الأمة وقيادتها ومرجعيتها، وكل إمام من الأئمة الإحدى عشر قد تبعته الفئة القليلة المؤمنة وسلمت بإمامته، ولكنها كانت فئة مستضعفة، وغير قادرة على مواجهة الأكثرية الساحقة التي وقفت مع الخليفة المتغلب طمعا بما في يده من المال والجاه والنفوذ والسلطة.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون للإمام الثاني عشر: (المهدي المنتظر نمط حياة، ومنهج مختلف عن نمط ومنهج الأئمة الإحدى عشر الذين سبقوه).
فكل واحد من الأئمة الإحدى عشر السابقين كان معروفا، للخاصة والعامة من المسلمين، وكان مشهورا بينهم، تعرفه العرب ويعرفه العجم، ويعرفه المحل والمحرم معا، ولا يخفى واقعه وأمله على أحد من الخاصة والعامة، فكل واحد من الخلفاء الثلاثة الأول كان يعلم علم اليقين بأن عليا بن أبي طالب أول الأئمة الشرعيين كان: (يطمع بالخلافة)، ويعتقد أنه أولى بها من الخلفاء الثلاثة الأول، وكان يشارك الخلفاء الثلاثة بهذا العلم اليقيني، خاصة القوم وعامتهم، قدامي المسلمين وطلقاؤهم وأحداثهم. ولما مات الإمام علي، وآلت الإمامة إلى الإمام الحسن كان الخليفة المتغلب وكافة أفراد رعيته يعلمون علم اليقين بآمال الحسن وواقعه، وهكذا كانت الأحوال مع الحسين، وعلي بن الحسين ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، وفي عهد الإمام علي الرضا قرر الخليفة المتغلب المأمون أن يعترف بالحق الشرعي وأن يتنازل بمحض اختياره للإمام الشرعي المعاصر له وهو الرضا، وتلك حالة فريدة في التاريخ الإسلامي ولم تتكرر، وتعاقب ظهور الأئمة حتى بلغوا إحدى عشر إماما، وكان الناس في زمن كل واحد منهم يعلمون أن هذا الرجل الإمام من أهل بيت النبوة، وأنه من ذرية النبي، وكانوا يعلمون أنه على الأقل (يدعي) الإمامة، والخلافة الشرعية عن النبي.
وكان الخليفة المعاصر لأي واحد من الأئمة الإحدى عشر يعلم علم اليقين.