ولكن الله سبحانه وتعالى جلت حكمته يعلم أن كل هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع، فاصطفى من عباده أئمة أورثهم علم الكتاب وتبيانه، لكي لا يكون للناس على الله حجه، قال تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (فاطر: 32).
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه واختص وصية عليا بكل ما يحتاج الناس بعده إلى قيام الساعة وذلك للمزايا التي كان يتمتع بها علي من بين الأصحاب جميعا من ذكاء مفرط وفهم حاد وحفظ قوي ووعي لكل ما يسمع، فعلمه النبي كل ما يعلم وأرشد الأمة إليه على أنه بابه الذي منه يؤتى.
وإذا قال قائل بأن رسول الله بعثه الله للناس كافة فليس من حقه أن يختص بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين، قلنا: ليس لرسول الله في ذلك الأمر شئ إنما هو عبد مأمور ينفذ ما يوحى إليه من ربه، فالله هو الذي أمره بذلك، لأن الإسلام هو دين التوحيد ومبني على الوحدة في كل شئ فلا بد لتوحيد الناس وجمعهم من قيادة واحدة، فهذا أمر بديهي قرره كتاب الله وحكم به العقل والوجدان قال تعالى:
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (الأنبياء: 22) وقال أيضا: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض (المؤمنون: 81).
كذلك لو أرسل الله رسولين في زمن واحد، لانقسم الناس إلى أمتين وتفرق أمرهم إلى حزبين متعارضين. قال تعالى: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (فاطر: 24).
كذلك كان لكل نبي وصي يخلفه في قومه وأمته، كي لا يتشتت أمرهم ويتفرق جمعهم.
وهذا لعمري أمر طبيعي يعرفه الناس كافة سواء كانوا علماء أو جاهلين مؤمنين أو كافرين، ألا ترى أن كل قبيلة وكل حزب وكل دولة لا بد لها من رئيس واحد يتزعمها ويقودها، ولا يمكن أن يخضعوا لرئيسين في نفس الوقت.