للذهن، ولله المثل الأعلى، فالقرآن بمثابة الدستور الإلهي الشامل الذي يتضمن المبادئ الكلية، والبنى الأساسية، والأهداف العليا، وهو وحي من الله، تلقاه الرسول تلقيا حرفيا، وبلغه كما تلقاه، أما سنة الرسول فهي بمثابة القوانين التي تضع الدستور موضع التطبيق، وهذه القوانين ليست من عند الرسول، بل هي وحي إلهي، لكن ليس باللفظ الحرفي، وإنما بالصورة والمعنى اليقيني المحدد، فقد يصلي جبريل أمام الرسول، ويطلب من الرسول أن يصلي كما صلى، إن الرسول الأعظم يتصرف بدقة متناهية، وعلى ضوء توجيهات الوحي الإلهي، والرسول معد ومؤهل إلهيا، وتوضيحا نقول: (مبرمج) فسيولوجيا، يتبع ما يوحى إليه من ربه بدون زيادة ولا نقصان، (ومطعم) ضد الزلل والخطأ أو معصوم، فلا ينطق عن الهوى، ولا يخرج من فمه إلا حق، فهو امتداد للحق الإلهي، ووجه من وجوه الرسالة الإلهية، ومهمة النبي أن يضع المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من كتاب الله وسنة رسوله موضع التطبيق بالتصوير الفني البطئ الذي تستوعبه الخاصة والعامة من بني البشر، ولكن تحت إشراف الوحي الشريف وبتوجيهاته، ومن هنا كان الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله، وكانت طاعة الرسول تماما كطاعة الله، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله، وموالاة الرسول والقبول بقيادته تماما كموالاة الله، واتباع سنة الرسول تماما كاتباع القرآن، لأن سنة الرسول هي التطبيق العملي للقرآن.
ولأن الإسلام آخر الأديان، ولأن رسول الله خاتم النبيين، ولأن المنظومة الحقوقية الإلهية، هي القانون الإلهي النافذ المفعول طوال عصور التكليف في الدنيا، فقد تولت سنة الرسول بيان كل شئ، أو وضعت الآلية الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لكل شئ، ولقد ركزت السنة الشريفة تركيزا خاصا على من سيخلف النبي ويتولى تطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية من بعده. ولو أن المسلمين قد التزموا بسنة رسول الله، المتعلقة بنظام الحكم، لتغير مجرى التاريخ البشري كله، ولاستقر النظام الإلهي كنظام حكم، ولذاقت البشرية طعم النظام الإلهي، عندها لن ترضى عنه بديلا، إن.