منذ مدة طويلة، قلت للسيد: إنني مرهق، فلقد بلغت من الكبر عتيا، سأستريح شهرين أو ثلاثة، وبعدها أنطلق بإذن الله، وشحذ السيد عزيمتي، وبعد يوم واحد من لقائنا بدأت الكتابة، بنفس راضية مطمئنة، وبيسر ما عهدته بأي كتاب آخر، صحيح أنني لم أنطلق من الصفر، لأن موالي أهل بيت النبوة على العموم ينظرون للأنبياء والرسل والأئمة نظرة خاصة، ويعتبرونهم صفوة الجنس البشري، ويعرفون مكانتهم عند الله تعالى، وحاجة بني الإنسان لهم، وعلى هذا الأساس قامت ثقافتهم، واستقرت قناعتهم، وخلال تجاربهم ومعاناتهم التاريخية النادرة عرفوا طبيعة التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل من جهة، وبين القرآن وسنة النبي أو بيانه لهذا القرآن من جهة أخرى، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر، فهما وجهان لعملة مقدسة واحدة، فسنة الرسول فصل جوهري متداخل تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله ومن سنة رسوله أو من بيان النبي لهذا الكتاب، فسنة الرسول هي العمود الفقري لدين الإسلام، وهي التي تترجم القرآن من النص إلى التطبيق، ومن النظر إلى الحركة، لأن المهمة الأساسية للنبي الأعظم تنصب على بيان ما أنزل الله، فالقرآن كمعجزة بيانية له وجوه متعددة والرسول وحده هو الذي يعرف المقصود الإلهي من كل آية من آياته، وكلمة من كلماته، معرفة قائمة على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين، ثم إن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد هذا التكامل الفذ، والتداخل العجيب بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن، فالقرآن قد أجمل، وأرسى القواعد الكلية، والبنى الأساسية، وحدد الأفق العام، وترك للرسول مهمة التفصيل والبيان على ضوء توجيهات الوحي الإلهي، فالقرآن وحي باللفظ والمعنى، والسنة وحي بالمعنى والصورة، فالصلاة وهي عماد الدين جاءت مجملة، ولم يتطرق القرآن إلى كيفيتها وتفصيلاتها، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، ونظام الحكم والجهاد.. الخ والرسول الأعظم من خلال سنته المباركة هو الذي فصل وبين أحكامها بيانا كاملا قابلا للتطبيق على ضوء التوجيهات الدقيقة للوحي الإلهي، وتقريبا.
(٦)