ثم إن البخاري ومسلم قد ذكرا أحاديث في صحيحيهما، أسانيدها صحيحة ورجالها ثقات حسب رأيهما، ومع هذا فإنها تخالف نصوصا محكمة في القرآن الكريم وتخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة!!، فقد ذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث تتعلق بسلوك الرسول منها على سبيل المثال الحديث الذي يصور الرسول بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه فيسب بعض الناس ويشتمهم ويلعنهم ويؤذيهم بغير سبب ولا خطأ صدر منهم!! فالشخص العادي من الناس يترفع عن فعل هذا فكيف بصفوة بني الإنسان، وكيف يوحد البخاري ومسلم بين هذا الحديث وأمثاله وبين قوله تعالى عن الرسول الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم) فهل من الخلق العظيم أن يسبب الرسول ويشتم ويلعن ويؤذي بعض الناس بدون ذنب ولا سبب! لقد سقنا في البحوث السابقة عدة نماذج من طراز هذا الحيث!!
لكن البخاري ومسلم يعلمان بأن رسول الله قد لعن الكثير من الخلفاء، ومن كبار أعوانهم، ليكون هذا اللعن بمثابة ميسم يعرفهم المسلمون به، فعز على البخاري ومسلم أن يتولى منصب الخلافة رجال لعنهم الله على لسان رسوله، لذلك فضلا أن يتحمل رسول الله المسؤولية، وأن تبرأ ساحة الخلفاء!! وكان بإمكان البخاري ومسلم أن يفعلا ما فعل الطبري، فبدلا من أن يروي الطبري الحديث على الوجه التالي " إن الرسول قد قال لعلي بن أبي طالب: أنت أخي وخليفتي ووصيي فيهم " رواه كما يلي " قال الرسول لعلي: أنت أخي وكذا وكذا... " وكان بإمكانهما أن يعتذرا بما اعتذر به الطبري عندما أعرض عن رسالة محمد ابن أبي بكر وبرر ذلك بقوله: فيها أمور لا تحتمل العامة سماعها!! فلو اعتذر البخاري ومسلم بعذر مشابه، لكن أقرب للمنطق من تصوير الرسول بتلك الصور التي لا تليق بجنابه الأقدس، ولا بمكانته السامية الرفيعة!!