الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٧٩٣
[مدخل] إن الكلمة التي يبتدئ بها هذا السفر في اليونانية هي مصدر لفعل معناه " كشف الستار ". فالرؤيا هي نوع من الكشف، والأدب الرؤيوي أشبه بالتقليد النبوي، وهو تطور له خاص، ظهر تأثيره قبل كل شئ في الأدب الكتابي في القرن الثاني قبل المسيح (راجع دانيال 3 - 12)، وقد عثر على ما مهد له الطريق عند حزقيال ويوئيل وزكريا وأشعيا 24 - 27.
[المميزات العامة للفن الأدبي الرؤيوي] 1) صيغة الكشف: إن الفن الأدبي الرؤيوي، وإن انتسب حينا بعد حين إلى رؤى، يمتاز على الخصوص بالقول النبوي، وهو قول من لدن الله يبلغه النبي بلاغ من سمعه من قبل أو من يشعر به لوقته. فإن رجل الله في الأدب الرؤيوي هو بالأحرى رجل رؤيا: فقد رأى السماء " مفتوحة " أو حظي بنوع من " الارتفاع " أدخله الملأ الأعلى وآتاه أن يعاين أمورا ليس من العادة أن تدرك. ولذلك يبلغ البلاغ في صيغة وصف وتفسير لما استشفه، فالصورة تقدم على الكلام فلا يفسح في المجال للكلام إلا في سبيل تمثيل رمزي يقصد عادة إبراز معناه أو استكماله بذلك الكلام.
2) استعمال الرموز: من طبيعة الأمور السماوية التي يراها رجل الرؤيا أن تكون من رتبة سامية لا قياس بينها وبين الإنسان. فمن الطبيعي إذا أن يتعذر تمثيلها كما هي أو أن تحدد تحديدا دقيقا.
إذا أراد الكاتب أن يوحي عالم ذلك الذي يختلف عنا اختلافا تاما وعالم القدس الذي أدخله، لا يستطيع إلى ذلك سبيلا إلا بمحاولات متدرجة، فيعبر عما يشعر به بتشبيهات فريدة في نوعها، مؤثرة غريبة في بعض الأحيان، يجد لها أمثلة كثيرة في التجليات التي وردت في الكتاب المقدس أو في التمثيليات الدينية في العالم الإغريقي الشرقي أو في طقوس العبادة.
والغاية من الرمزية هي أن تكشف أيضا عن الطابع السري للبلاغ وعن إظهار ما لتبليغه من صفة الامتياز. يزعم الأدب الرؤيوي، بما فيه من الرموز والتلميحات بالأرقام والإعلانات في صيغة الغاز، أنه يخاطب أناسا عارفين، إذ لا يستطيع الوصول إلى تفهم الأسرار الإلهية سوى الذين دعوا إلى ذلك. وهكذا يوحي الكاتب ما لبلاغه من شأن عظيم، وهو يثير في نفس القارئ أشد التشوق إلى الاطلاع عليه.
3) موضوع الرؤى: إن الشعور الديني عند اليونانيين يبتغي على الخصوص معرفة الحقائق السامية أو تأمل الأمور المثلى، في حين أن الوحي في الكتاب المقدس يعلن تدبير الله والحضور الفعال
(٧٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 787 788 789 790 791 793 794 795 796 797 798 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة