الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٧٩٥
الكون بأسره معني بمجئ ملكوت الله، فإن النظرة إلى نهاية الأزمنة تمتد على قدر الخليقة نفسها.
مثل هذه النظرة هي نظرة تشاؤم وتفاؤل في الوقت نفسه: هي نظرة تشاؤم لأنها تلح في زوال العالم الحاضر وفساده، وهي نظرة تفاؤل لأنها تؤكد نصر الله آخر الأمر، وإن ظهر أن الشر منتصر. إنها تنشط على وجه خاص في أيام الأزمة، علما بأن المؤلفات أنشئت في عهود الاضطهادات.
[النظرات الخاصة لرؤيا يوحنا] اعتمدت رؤيا يوحنا معظم ما في الأدب الرؤيوي من أساليب وبنيات، ولكن لا يمكن أن تعاد إليها على وجه تام.
فهناك جزء من المؤلف هام لم يأت في صيغة الفن الرؤيوي، وهو الرسائل إلى كنائس آسية السبع (رؤ 2 - 3). فهي أقرب إلى الوعظ النبوي المألوف، إذ أن الكاتب، كما الأمر هو في الأدب النبوي، يذكر اسمه ويوجه بلاغة إلى أهل عصره.
تتميز رؤيا يوحنا قبل كل شئ، من معظم مؤلفات الأدب الرؤيوي بتفسيرها الديني للتاريخ وبما جعلته المراكز الحقيقية لما صرفت إليه اهتمامها.
1) التفسير المسيحي للتاريخ: أخذت نظرة يوحنا إلى آخر الأزمنة بطائفة من الأمور الجوهرية التي استيقنها التفكير اللاهوتي المسيحي في أول نشأته. فالعصر الجديد الذي أعلنه وانتظره الأدب الرؤيوي اليهودي قد افتتح ساعة قيامة المسيح. لقد ابتدأت الأزمنة الأخيرة ووهبت الخيرات العائدة إلى المسيح، فقد أفيض الروح على كل بشر (راجع رسل 2 / 16 - 21)، ولقد قام المسيحي مع المسيح (قول 3 / 1). ولكن مجئ الملكوت قد تم على نحو سري، فهو لا يزال موضوع وحي ولا يدرك إلا بالإيمان وهو يسير نحو تحقيقه التام وتجليه المجيد.
إن يوم الرب، بحسب هذه النظرة المسيحية، يصبح مضاعفا، فهو يدل من جهة على حدث قيامة المسيح وارتفاعه في الربوبية، وهو من جهة أخرى لا يزال منتظرا لأنه المجئ الثاني، أي الظهور الشامل الساطع لملكوت الله بظهور مسيحه. هناك، إلى حين، توافق بين " الوقت الحاضر " و " العصر الجديد ". فالكنيسة هي في الوقت الحاضر، ولكنها من العهد المستقبل: إنها حقيقة أخيرية، أي في الوقت نفسه تمام النبوات والباكورة النبوية لنهاية الأزمنة.
2) موضوع الرؤى: لما كانت نهاية الأزمنة قد بدأت، فإن معنى القطيعة التقليدية بين العصر الحاضر وعصر جديد لم يبق على ما كان، فهي لا توحي ما كانت توحي من تعاقب مرحلتين، بل توحي بالأحرى التمييز بين نظامين هما النظام التاريخي ونظام نهاية الأزمنة.
فليس غاية الرؤى، من بعد اليوم، الدلالة على سياق نهاية الأزمنة لتمهيد الطريق لمجئ " يوم الرب ". إنها تهتم، أكثر من ذي قبل، بالأمور الخفية العجيبة التي قد بدأ عهدها وأخذت تمنح.
لقد أصبح للتفكير اللاهوتي الذي يتناول المسيح والكنيسة مكان الصدارة على الوصف الرؤيوي. إن
(٧٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 789 790 791 793 794 795 796 797 798 799 800 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة