الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٧٩٤
للرب في كبد التاريخ، وهذا الاعلان هو في الوقت نفسه دعوة ونداء إلى إطاعة عمل الله.
غرض الارشاد، في الأدب النبوي التقليدي، مباشر، ومن عادته أن يكون صريحا.
فالأنبياء، إذ يذكرون الشعب دعوته ومصيره السامي، يعلنون ما يفرضه العهد بينه وبين الله في الوقت الحاضر. وإحياء ذكرى عظائم الماضي يؤيد وصية الوفاء لله، وغاية التبشير ببركات جديدة أو الانذار بالعقوبات هي بعث العزم الفوري على الاصلاح الروحي والخلقي.
إن الحث في الأدب الرؤيوي على الوفاء أو التوبة هو أيضا جوهري، ولكنه أقل وضوحا لأول وهلة. يتوقع أن تبلغ الرؤى أسرار التاريخ، فهي تكشف عن السياق الذي لا هوادة فيه للمراحل الأخيرة لتدبير الله، وهي تشير إلى قدوم العهد الجديد وما يمهد له على نحو خفي عجيب، وتضئ للمؤمن ليعرف حقيقة ما ترتهن به تقلبات الحاضر. ولكن مثل هذا الكشف يقوم مقام تنبيه، فإنه يحفظ رجاء المضطهدين وينعش شجاعة الفاترين ويدعو الضالين إلى التوبة.
إن التوبة والوفاء في الوعظ النبوي هما شرط استمرار العهد. وأما في الرؤيا فإن الكشف عن نصر الله آخر الأمر يتضمن وصية الثبات والدعوة إلى التأهب.
4) موضوع الاستعجال وتقديم التاريخ وانتحال الأسماء: يظهر البلاغ الوارد في الرؤى بمظهر الأمر القريب الوقوع، على نحو أشبه بالقول النبوي، ولكن بطرق أخرى. فإن القارئ يدعى إلى تحسس دنو " يوم الرب " والدينونة.
يشار إلى هذا الدنو بطرق أكثرها شيوعا في الاستعمال: هي تقديم تاريخ الأمور المكشوف عنها ونسبتها إلى أسماء منحولة. يقال إن هذه الأمور كشف عنها في الماضي لشخص مشهور وتناقلتها بعدئذ سلسلة من العارفين، وعثر عليها على نحو عجيب (راجع على سبيل المثال رؤيا باروك وسفر أسرار أخنوخ وارتفاع موسى والسفر الرابع لعزرا). وما يزعم من أن أصلها قديم باهر يؤكد عظم شأنها، وهو يمكن صاحبها من أن يلون بلون المستقبل سيرة تاريخية تمت في الحقيقة يوم نشر البلاغ. ولما كانت الأحداث التي وقعت لعهد قريب ترد في رموز شفافة محكمة الصنع، بين العلامات الأخيرة لقدوم النهاية، يسوغ للقراء الذين يحسنون حساب التواريخ أن يتوقعوا مشاهدة انتصار الأبرار وعقاب الفجار بعد وقت قليل.
الغاية من مثل هذا الاعلان واضحة، فإن اقتراب عهد النهاية يجعل للحاضر شأنا عظيما: فهو يغذي الحماسة ويشجع على اتخاذ الالتزامات الفورية.
5) تفسير العالم والتاريخ: ينظر الوعظ النبوي إلى سير التدبير الإلهي في أثناء وقت متواصل المرور وفي ميدان مصير الشعب المختار في التاريخ، في حين أن الأدب الرؤيوي يفترض قطيعة تصل إلى الجذور، بين العهد الحاضر، وقد وسمته الخطيئة، وهو تحت وطأة قوى الشر، وبين المستقبل الذي فيه يتم النصر المطلق لله ولمختاريه. سيعقب الحاضر، وهو عهد نزاع ومحنة، ظهور حاسم ولا نهاية له للنظام الإلهي. ليس تحقيق ذلك من باب المصادفة ولا يرتبط بتفاعل الإرادات البشرية، لأن الله وحده سيد التاريخ وديانه.
(٧٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 788 789 790 791 793 794 795 796 797 798 799 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة