الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٧٨٧
وكلام الرسالة على دينونة المنافقين يساير أيضا النهج الرؤيوي. فإن العقاب آت بلا هوادة، وقد تمثل سالفا في الحكم على الملائكة الخاطئين وعقاب سدوم وعمورة وإبادة الأجيال الكافرة في البرية.
يحسن التنبه إلى ما في هذه الأمثلة من الاهتمام بإظهار أن في العهد القديم مثالا لما تحقق في العهد الجديد. فإن المنافقين يبدون قد عوقبوا في أحكام الماضي الشديدة، وبلغ الأمر بالكاتب إلى القول أنهم هلكوا في تمرد قورح (الآية 11). فإن الحاضر قد أنبئ به وكمن في الماضي. وهذا الإقبال على جعل الكتاب المقدس أمرا من الحاضر امتداد لأفكار يهودية هي رهينة حقبة من الزمن، ولكنها صيغة لتأكيد أن طرق الله في عمله لا تزال هي هي وأن الكتاب المقدس لا يزال مقياسا صالحا للحاضر.
عرف كاتب الرسالة نفسه فقال إنه يهوذا، أخو يعقوب. وقد ذكر العهد الجديد يعقوب ويهوذا، أخوي الرب وأخوي يوسى (أو يوسف) وسمعان أيضا (مر 6 / 3 ومتى 13 / 55). فيكون المقصود هنا إذا يهوذا، غير يهوذا تداوس، أحد الاثني عشر، المذكور في لوقا 6 / 16 ورسل 1 / 13 (راجع مر 3 / 18 ومتى 10 / 3). ولكن أتراه هو الذي كتب هذه الرسالة؟ فإن بعض ما ورد في الرسالة يبدو عائدا إلى ما بعد الرسل (ذكر في الآية 3 الإيمان الذي سلم إلى القديسين وذكر على الخصوص في الآية 17 تعليم الرسل، وكأنهم بأجمعهم من الماضي). فلا بد للكاتب إذا من الانتساب إلى تعليم يهوذا، أخي الرب، فقد كان يعيش في حلقة يكرم فيها أخو الرب يعقوب ويهوذا، وكانت تتناقل أقوالهم. ولا يمكن من جهة أخرى تأخير تاريخ رسالة لها مثل هذه الجذور المتأصلة في بيئة يهودية قديمة. فيسوغ إذا أن تجعل السنوات 80 - 90 تاريخا لها.
إن رسالة يهوذا، على ما لها من طابع خاص، قد استعملت في رسالة بطرس الثانية (راجع المدخل إلى هذه الرسالة). فلا شك أنها كانت تحظى ببعض الشهرة، ولا يمكن التقليل من قوة التيار اليهودي المسيحي الذي تنتسب إليه والذي تكشف لنا عن بعض وجوهه المجهولة. اعترض دخولها قانون الكتاب المقدس بعض العقبات، ولا سيما في كنائس سورية. فقد ذكر أوسابيوس في القرن الرابع أن هناك أناسا يشكون في صحتها. غير أنها وردت في قانون موراتوري (قبل السنة 200) للكتاب المقدس وعند ترتليانس (في نحو السنة 200)، وشرحها اقليمنضس الإسكندري (في أول القرن الثالث)، واستشهد بها أوريجينس (المولود في 185 / 186 والمتوفى في السنة 254). فقد قبلت إذا في وقت مبكر جدا في رومة والإسكندرية وقرطاجة. وقال هيرونيمس (المولود في نحو 354 والمتوفى في نحو 420) إن الشك الذي تناول الرسالة يعود إلى ما اقتبسته من مؤلفات لم تعترف بها الكنائس.
(٧٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 782 783 784 785 786 787 788 789 790 791 793 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة