وتقدمت خراب أورشليم (65 - 70) أو آخر ملك دوميثيانس (91 - 96). إن أنصار الافتراض الأول يؤيدونه، قبل كل شئ بالتلميح إلى هيكل أورشليم (11 / 1 - 2) وتعاقب القياصرة (17 / 10 - 11). غير أن الافتراض الثاني يبدو أكثر احتمالا لمعظم المفسرين في عصرنا، فهو يوافق شهادة إيريناوس، أسقف مدينة ليون، ويبين أسباب إلحاح سفر الرؤيا في التضاد الذي لا سبيل لإزالته بين ملكوت الرب يسوع وملك القيصر وما فيه من كفر. ذلك بأن دوميثيانس سعى إلى نشر عبادة القيصر. وهناك مفسرون يرون أن ظروف إنشاء سفر الرؤيا أشد تشعبا من ذلك كثيرا، فهو ليس مؤلفا متجانسا، بل محاولة غير محكمة لجمع أجزاء مختلفة أنشئت ثم نقحت في العقود الأخيرة من القرن الأول.
[بنية سفر الرؤيا وتفسيره] حتى ولو افترضنا أن بعض أجزاء الرؤيا أو بعض أبوابه وجدت في الماضي مستقلة، فإن بنية المؤلف الذي وصل إلينا لا توافق ما تعودنا إنشاءه في عصرنا الحاضر، ولكنها يشف منها سياق عام فيه تجانس وأساليب لا تخلو من الاطراد.
يمكن من غير عناء تمييز قسمين كبيرين فيه: القسم النبوي الذي يظهر بمظهر " رسائل إلى الكنائس " (1 / 9 - 3 / 22) والقسم الرؤيوي وفقا لمعنى هذه الكلمة (4 / 1 - 22 / 5). وردت على العموم في هذا القسم الصيغة المألوفة في الوحي الرؤيوي، أي ما يمهد لنهاية الأزمنة (6 / 1 - 11 / 19) والمحن التي تتبعها لوقتها والقتال الكبير (12 / 1 - 20 / 15) وتتمة كل شئ والتجلي الأخير (21 / 1 - 22 / 5). وهذه الصيغة في رؤيا يوحنا تغنيها وتعقدها سلسلة من أشياء عددها سبعة (سبعة ختم، وسبعة أبواق، وسبعة أكواب) وسلسلة من الرؤى التي تتخللها فتمكن النبي من الاكثار من التلميحات وتلخيص نصوص كثيرة من العهد القديم والتبسط في تأمله لسر الكنيسة وللوقت الحاضر.
أجل، إن إقامة تصميم دقيق أمر لا سبيل إليه، ولكن الصعوبة الكبرى تكمن في التفسير الذي يستوجبه تعاقب الرؤى نفسه، أيجب أن يرى في هذا التعاقب إشارة رمزية على قدر كثير أو قليل إلى سير التاريخ نحو مجئ المسيح القريب؟ أم ليس ذلك التعاقب سوى إطار خيالي أراد الكاتب أن يعرض فيه، لا مختلف المراحل لسياق الأزمنة الأخيرة الواحدة بعد الأخرى، بل الوجوه الكثيرة لانتصار المسيح ومنزلة الكنيسة ودينونة العالم؟ إن اختيار أحد التفسيرين أمر جوهري، إذ به يرتهن تفسير مجمل الكتاب. فالتفسير الزمني تؤيده العادات الجارية في الأدب الرؤيوي، ولكنه يستدعي، لحل بعض المشكلات، قبول تبديل مكان عدة رؤي، أو القبول بأنها أضيفت. في أيامنا تيار تفسيري له شأنه يلاحظ التحاذي بين عدة أقسام من سفر الرؤيا، ومن بينها الأشياء ذات العدد 7، فلا يرى في تعاقب الرؤى سوى اصطلاح أدبي، فإن الحقائق المتيقنة نفسها والبلاغ نفسه تؤكد في جميع المؤلف، ولكن ذلك كله لا ينفك يكرر في صور مختلفة ليعبر بها عن معان جديدة، ولتوضح بعض الأمور إيضاحا جديدا.