وكانت الدولة الرومانية قد خففت اضطهادها عن النشاط المسيحي، بل إنها شاءت أن تحتضن المسيحين، فعطف قسطنطين الملك على المسيحيين، وأراد أن يحسم النزاع فدعا هو إلى عقد مجمع نيقية 325 م، وأرسل بذاته رسائل إلى الفرق المتخاصمة وهي: أريوس نفسه وبطريرك الإسكندرية. وجمع قسطنطين بينهما، ولكن الاجتماع أسفر عن خيبة أمل وإخفاق في المحادثات، فانتقل الموقف إلى قمة أعلى، وهو عقد مجمع نيقية، لفض النزاع القائم بين: الموحدين المائلين إلى فكرة أريوس وغيرهم.
وفي هذا يقول ابن البطريق: (بعث الملك قسطنطين إلى جميع البلدان، فجمع البطاركة والأسقافة، فاجتمع في مدينة نيقية ثمانية وأربعون وألفان من الأساقفة (2048) وكانوا مختلفين في الآراء والأديان:
فمنهم من كان يقول إن المسيح وأمه إلهان من دون الله وهما البرابرانية، ويسمون الريميتين.
ومنهم من كان يقول إن المسيح من الابن بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس وشيعته.
ومنهم من كان يقول: لم تحمل به مريم تسعة أشهر، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء في الميزاب، لأن كلمة الله دخلت في أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهي مقالة اليان وأشياعه.
ومنهم من كان يقول إن المسيح إنسان مخلوق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الأسمى، صحبته النعمة الإلهية، وحلت فيه المحبة والمشيئة! ولذلك سمي ابن الله، ويقولون: إن الله جوهر قديم واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء ولا يؤمنون بالكلمة، ولا بالروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية وأشياعه وهم البولقانيون.