حول منهج الحيدة في البحث خطر لي بعد الانتهاء من هذه الرسالة وقف صديق عزيز كريم كان يستعد لكتابة بحث لنيل شهادة العالمية من درجة أستاذ من الأزهر الشريف، وهي التي يسميها العرف الجامعي العام شهادة الدكتوراه، خطر لي موقف ذلك الأستاذ وهو متحير جدا لأن رسالته حول الديانة اليهودية على ما أذكره الآن.
وكان سبب الحيرة أن الجامعات العلمانية اليوم تؤمن بما يقال له الحيدة العلمية في البحث، ومفهوم هذه الحيدة هو التخلي عن المبادئ الشخصية عند عملية القيام بالبحث العلمي، ومنها الدين: فالحيدة في البحث العلمي، - تفرض على الباحث كما يقول أساتذة الجامعات العلمانية - تستلزم التفرغ من الفكرة الخاصة، ومنها دين العالم الباحث.
وكان صديقي - ولا أزكيه على الله - شابا متدينا: في قلبه، وعقله، ووجدانه، وذكائه، وكل شئ فيه، كان الدين شيئا مسيطرا على أخلاقه وسلوكه وحياته الشخصية والعامة، فيكف يتفرغ عن إسلامه، وهو ناضج فيه كل النضوج، ولم يكن هناك من حيلة إلا أن هذا الأخ الكريم غير رسالته بعد أن سار فيها شوطا، ونقلها من دراسة اليهودية، إلى دراسة حياة الحكيم الترمذي المتصوف الإسلامي القديم.
وبعد أن عرضت كلام علماء المسيحية، ومؤرخيها حول النقاط الرئيسية التي قدمتها هنا لتكون ركائز للبحث مستقبلا، ورأيت الحدود البعيدة التي أخرجت المسيحية من جوها الإلهي الرباني إلى جو عصبي ذاتي، قومي، إقليمي، ورأيت كيف أن الأناجيل - وهي كذلك مؤلفة - قد داسها القوم، وأهدروها