وإذن فالتثليث في المسيحية صدى لأبحاث فلسفية تولدت من:
1 - الحياة في الدولة الرومانية التي دخلت بخليطها الشعبي والثقافي، في المسيحية.
ب - الأفكار الفلسفية في الشرق التي أشعتها الأفلوطونية الحديثة كمزيج من الثقافات البشرية، وتمركزت كلها حول اسم الديانة المسيحية، وساعد عليها الجو المختلط الذي لم يسمح للمسيحية بتحقيق وجودها كفكرة أو كحركة عملية سلوكية.
وهنا قد يشعر القارئ أنني أحكم، مع أنني اتخذت منهج العرض لرؤوس المسائل دون حكم على الأشياء، وهنا أقول: إن قضية التثليث، قضية فلسفية لا دينية، وإن كانت تعد عند أصحابها كفكرة دينية، إلا أنها من حيث التاريخ والترتيب الزمني لا يكن القول بأن التثليث قضية دينية، ولهذا كان في أسلوبي شئ من رائحة الحكم، ومع هذا فإنني أريد أن يكون عرضي هذا أساسا للبحث في المستقبل من السادة الباحثين؟ ولنعرج معا على وثيقة فلسفية شرحها المستشرق المعروف (ليون جوتيه) في كتابه (المدخل لدراسة الفلسفة) الذي طبع بالفرنسية في باريس عام 1923 م، وترجمة إلينا المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى، يقول ليون جوتيه: (... وهكذا كان التزاوج بين العقيدة اليهودية، والفلسفية الإغريقية لم ينتج فلسفة فقط، بل أنتج معها دينا أيضا، أعني المسيحية التي تشربت كثيرا من الآراء والأفكار الفلسفية عن اليونان، ذلك أن اللاهوت المسيحي مقتبس من نفس المعين الذي كانت فيه الأفلوطونية الحديثة - وهي فلسفة أفلاطون التي كانت معينا لفلسفة أفلوطين - ولذا نجد بينهما (أي اللاهوت المسيحي، والأفلوطونية الحديثة) مشابهات كثيرة، وإن افترقا أحيانا في بعض التفاصيل، فإنهما يرتكزان على عقيدة التثليث، والأقانيم الثلاثة واحدة فيهما. أول هذه الأقانيم: هو مصدر كل كمال، والذي يحوي في وحدته كل الكمالات، وهو الذي دعاه المسيحيون (الأب)، والثاني: هو