القدس، وهذا الاعتقاد موافق للعقل والنقل بل أظهر تنزه صفات الله عن النقص والعيب وأنه لا يبرئ المذنب إلا إذا استوفى حقه وعدله، أما الاعتقاد بالنسخ فإنه يحط بصفات حكمته وعلمه وإرادته ومشيئته وشتان بين العقيدتين.
أقول: قد بينا لك معنى النسخ وكشفنا لك عن حقيقته بما يتضح به لك توهم المتكلف أو مغالطته في تعريفه له، وكشفنا لك عن كونها أنسب بحكمة الله ولطفه في مراعاة مصالح العباد المختلفة بحسب الأحوال والأوقات على وجه عرفت أن الناسخ والمنسوخ سابقان في علم الله، صادران عن مشيئته وإرادته منبعثان عن حكمته ولطفه وعلمه منذ الأزل بمناسبات الأحوال والأوقات، فجعل جل شأنه كلا من الناسخ والمنسوخ بإزاء مصلحته وحده بحدها في مكنون علمه، فأظهرهما لعباده بواسطة أنبيائه على مقتضى حكمته البالغة ورحمته الواسعة فلا نضجر سمعك بتكرار بيانه، وإن كانت مضامينه تسبيحا لله ببيان حكمته ولطفه وعلمه ومراحمه بعباده بما يرتاح به العقل السليم ويستعذبه الذوق المستقيم، وقد قدمنا لك في الأمثلة المتعددة عن العهدين صراحتها على مذاق المتكلف بأن " نوحا " و " وموسى " و " داود " و " حزقيال " و " المسيح " والرسل و " بولس " كل واحد من هؤلاء قد جاء بحكم تشريعا أو إمضاء، ثم نسخه ويدعي أنه من عند الله.
وهلم واعجب من اقتحام المتكلف وتهوره فإنه أحرز الموفقية في أقواله في النسخ، فاقتحم بقوله: " نعم لا ننكر أن تجسد كلمة الله الأزلية هو فوق عقولنا ولكنه موافق للعقل "، فسله وقل له: إذا كان ذلك فوق عقولكم فكيف تحكم بموافقته للعقل، وإذ حكمت بأنه موافق للعقل فكيف يكون فوق عقولكم.
أو تدري ما هو تجسد الكلمة عند المتكلف هو أن الإله أقنوم الابن، ثالث الثالوث الذي هو واحد حقيقة، وثلاثة حقيقة، قد تجسد في الأرض وتوشح الطبيعة البشرية فأخذ جسدا من مريم وبقي أقنوم الأب وأقنوم الروح القدس في السماء، وبعد ثلاثين سنة انفتحت السماء ونزل أقنوم الروح القدس على شكل حمامة جسمية وحل على أقنوم الابن المتجسد، وبقي الأب في السماء وصار أقنوم الابن المتجسد وأقنوم الروح القدس الحال عليه في الأرض يجرب