فهل سمعت عن الملوك المتمدنة أنه وقع في شرائعهم الإصلاحية أو قصاصاتهم العرفية مثل ذلك؟ وهل سمعت أنه وقع عند التجار حينما يلتجأون إلى التنزيل مثل ذلك؟ وكيف يكون المستوفي بهذا النحو عادلا منتقما جبارا فلو أن ملكا أرضيا عصته رعيته، ولا شوا شريعته، وسفكوا الدماء وهتكوا الحريم، ونهبوا الأموال، وتعدوا الحدود فأراد أن يعطي عدله حقه، فقدم ابنه البري ليفدي رعيته المقصرين المتمردين من عقابهم العظيم بضربة لابنه فاستعفاه الابن وبكى وتوسل إليه في أن تعبر عنه كأس الفداء فلم يسمع له بل ضربه ضربة واحدة وإن كانت مؤلمة بدلا عما تستوجبه الرعية بجرائمها من الإعدام والحبس والتبعيد، وجعلهم بعد ذلك وهم على عاداتهم الوخيمة مبررين قد آمنوا وبال العقاب واطمأنوا بدستور الفداء، أفنقول إن هذا الملك عادل قدوس يمقت الخطيئة، وقد استوفى عدله حقه فهو منتقم جبار أم تقول وعلى قول المتكلف إن الأب والابن واحد يرجع المثال إلى أن الملك ضرب نفسه ليستوفي عدله حقه ويفدي رعيته حسبما ذكرنا.
ومع هذا كله والمتكلف يقول " يه 1 ج ص 274 " إن عند المسلمين عهد الأعمال، ومن سوء الحظ لا يوجد عندهم عهد النعمة عهد الخلاص.
فنقول: الحمد لله على عظيم نعمته ولطفه إذ شرع لنا شريعة الحق، وعرفنا صالح الأعمال ووسائل القرب منه والفوز برضاه، وسدد جامعتنا لحفظ الشريعة، ووفقنا للقول الثابت في توحيده وتقديسه، وهدانا إلى معرفة عدله وقدرته وقدسه لنخشاه، ومواقع رحمته وغفرانه لننيب إليه بالرجاء، وعصمنا من مخادعات النفس الأمارة، ومغالطات الهوى ومخالسات الشيطان فلا زالت نعم الله وألطافه علينا ظاهرة وباطنة، ومن عظيم توفيقنا وحسن حظنا أن الشيطان الرحيم قد نكص عن عرفان جامعتنا خاسئا. فلم يمزج توحيدنا بالشرك، ولم يغالطنا بالتمرد على الشريعة الإلهية وملاشاتها ولم يدس في معرفتنا بجلال الله وقدسه لوازم النقص والعجز، وأغاليط الوثنية، وخرافات البوذية.
ولا ألوم المتكلف إذ لم يعرف طريقة خلاص المسلمين، فلا يخفف على طالبي الهدى إن المسلمين يقولون اقتداء بقرآنهم كتاب الله، واهتداء بأنوار