غواية العصبية وعماية التقليد بأنهم لو يتواطأوا على الكذب، وإذا كان النقل متعدد الطبقات فلا بد من أن يكون متواترا في جميع طبقاته على هذا النحو ليكون مقيدا لليقين وإلا فلا.
وليعلم الطالب للحق الراغب في الهدى الحريص على نجاته ودفع المخاطرات العظيمة والمخاوف المهلكة عن نفسه أنه إذا بلغته دعوة الرسالة إلى الإيمان بها واتباع شريعتها والاهتداء بتعاليمها. كان عليه أن يفحص جهد قدرته عن النقل لشواهد تلك الرسالة وموانعها من معدنه وأهل خبرته.
وليلتفت إلى أنه لا ينبغي أن يعتمد في أمر الشواهد على من يحرص بتعصبه على إخفائها حتى يلبسها بتمويهه ثوب الاستحالة والامتناع، أو من يحرص بتعصبه لدعواها حتى يفرغها بتلفيقه في قالب بداهة الوجدان.
ولا يعتمد أيضا في أمر الموانع على من يدعوه الحسد والعناد إلى تخييلها بأباطيله للعيان. أو من يدعوه الهوى إلى سترها بحجب الكتمان، بل ليعتبر لتأييد الشواهد باعتراف الخصوم بنحو منها، وليعتبر لتأييد الموانع بالتزام جامعة الاتباع بما يؤول إليها. ثم ليتثبت في أمر النقل ويدقق في جميع طبقاته لئلا يكون فيها ما يمنع من كونه متواترا. ويحقق في سائر منقولات هذا النقل لئلا يكون فيها ما يلزم منه كذبه وفساده ويكشف بنحو إجمالي عن فساد دعوى التواتر فيه. وليحقق في شأن المنقول من الشاهد للرسالة والمانع منها حسب قانون العقل الذي ذكرناه لئلا يشتبه عليه الشاهد بما ليس بشاهد والمانع وما ليس بمانع.
وليحذر كل الحذر في هذا المقام العظيم كله من مخادعات الشيطان ومهاجمات جنوده التي ذكرناها. بل يتجرد لمقاومة الشيطان محافظا على حدود منعته فإن ميل الإنسان مع الهوى قد دل الشيطان على جميع عوراته التي يؤخذ منها، فإن قصر الإنسان فيما شرحناه فأزل الشيطان عن الحق في مقام النظر قدمه وثناه عن الهدى فلا يلومن إلا نفسه حيث استحق بتقصيره العقاب العظيم واستوجب الحرمان وقرت بضلاله وهلاكه عين الشيطان. ذلك هو الخسران المبين. أعاذنا الله من ذلك وكل طالب للهدى ودين الحق إنه ولي التوفيق.