الدعوة وطلب التصديق.
ومثل هذا لا يكون حجة على الرسالة لمن يطلب منهم التصديق في أول التبيلغ، ولا يكون حينئذ مقتضيا لتصديقهم وإيمانهم، وأنه حينئذ لمردد بين كونه دالا على صدق مدعي الرسالة في دعواه إذا وقع المخبر به وبين كونه دالا على كذبه فيها إذا لم يقع، كما أعطت التوراة علامة على ذلك " تث 18: 21 و 22 ".
ولا يسمع العقل والنقل أيضا أن نقترح كون الحجة على الرسالة مشاهدة لكل المدعوين أو المطلوب منهم الإيمان بذلك الرسول وإن كانوا أجيالا عديدة.
فإن المدار على حصول العلم بها على النحو الذي تكون به حجة كافية للرسالة فإنه لا يجد العقل فرقا في كونها حجة بين كونها معلومة بالحس أو بالنقل المتواتر، وعلى ذلك جرت حجج رسل العهدين.
فإن معجزات موسى إنما شاهدها جيله من بني إسرائيل مع أن الإيمان به كان مطلوبا من أجيالهم، على أنه من البعيد عادة أن يكون جميع بني إسرائيل رجالا ونساء قد شاهدوا معجزات موسى حينما كان الإيمان مطلوبا منهم. وأن معجزات المسيح حتى أشياعه الخمسة آلاف من قليل الخبز والسمك إنما كانت مشاهدة لبعض الناس في سوريا مع أن الإيمان به كان مطلوبا من جميع الناس في شرق الأرض وغربها.
نعم: لا ننكر أن المعجزات يختلف حالها بالنقل المتواتر، فإن منها ما لا يشك من نقلت له في كونها معجزة كانشقاق البحر الأحمر لبني إسرائيل وعبورهم على اليابسة والماء عن يمينهم ويسارهم مع غرق فرعون وجنوده على أثرهم، ومنها ما تختلج فيه الشكوك ولو تواتر نقل أصله وذلك مثل ما في ثالث يوحنا من جعل المسيح للماء خمرا.
وما في سابع لوقا من إحياء المسيح ابن الأرملة في نايين من الموت.
وما في حادي عشر يوحنا من إحياء المسيح لعازر من الموت، فإن هذه المقامات الثلاثة معرض للشكوك واحتمال التصنع والتواطئ فيها، ولا يرتفع