وإذا لاتخذوك خليلا).
وذكر في سبب نزولها ثلاث روايات أو أربع متعارضة متناقضة كل واحدة تذكر سببا مباينا لما تذكره الأخرى وكلها تنسب إلى ابن عباس انظر إلى الدر المنثور وتفسير الخازن.
وأقول: وتزيد على ذلك في التعارض والتناقض رواية محمد بن كعب القرضي إنها نزلت في أثناء سورة النجم في قصة الغرانيق المتقدم ذكرها.
ويا عجبا كيف يتشبث أحد بمثل هذه المتناقضات ويحاول أن يموه أمرها اللهم إلا أن يكون لا يبالي بما يقول وما يقال فيه.
وإن المتكلف لم يذكر الآية التي بعد هذه الآية لأجل أنه شعر بأنها تنقض غرضه الفاسد بمدلولها وهو قوله تعالى 76: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا).
وإن الذي ينبغي تحصيله من معنى الآيتين بمقتضى لفظهما والنظر في مقتضى الحال من الأمور المعلومة من حال رسول الله (ص) وقريش هو أنه لما اشتدت وطأة رسول الله عليهم بالدعوة والتنديد بآلهتهم والتسفيه لهم في عبادتها حتى اهتدى جملة منهم ومال إليه من لم تعمه العصبية صاروا يريدون منه الملاءمة معهم والكف عن الدعوة والتعرض لآلهتهم ويتوسلون إلى ذلك مرة بالمشاغبة ومرة بالاضطهاد ومرة بالاستشفاع بأبي طالب وغيره. وغرضهم من ذلك بزعمهم الفاسد أن ينجر تركه لهم عن الدعوة وتبليغ الوحي إلى التساهل منه والموافقة على أهوائهم التي هي افتراء على الله. فربما خطر على فكر رسول الله (ص) احتمال الصلاح في متاركتهم زمانا قليلا استصلاحا لهم وسياسة في الهدى وتلطفا في تحصيل الغرض فسدده الله إلى الصواب وثبته على الجد في الدعوة والدوام عليها وأنزل عليه الآيتين المذكورتين تعريضا بإصرار المشركين والامتنان عليه بتسديده إلى الصواب في كل حال، وحاصل الآيتين أن المشركين قد كادوا باختلاف وسائلهم في طلب المتاركة من رسول الله ليحصل لهم ما توهموه من الغرض الفاسد وهي الموافقة لأهوائهم أخيرا وقاربوا بذلك أن يفتنوه.