لقال: أليس في قرآنكم مكتوب شهادة رجلين حق أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي التعصب الذي يغريني ويورطني فإن من أوضح المعلومات التي لا يسترها غبار التزوير والتلفيق أن رسول الله كان أثقل الناس وطأة على الأصنام وأشدهم ذما لها وعيبا لعبدتها وتسفيها لأحلامهم، لا يفتر عن ذلك ولا يداهن بل كان هذا هو العنوان لنهضته والقانون الأساسي لدعوته حتى عاداه في محض ذلك القريب والبعيد ولاقى من الاضطهاد ما لاقى.
ثم قال المتكلف. ومما يشبه هذه الحادثة قوله في سورة الزمر 65 (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
أقول: كأن المتكلف قد مناه وهمه بإحراز الموفقية في المنقولات والمحسوسات حتى صار يعتمد على الحدس والتخمين. أو تراه لم يشعر بأن صدر الآية الذي حذفه مما ينقض مرامه، فقد قال الله تبارك وتعالى: (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك الآية) وإن الآية لتنادي بصراحتها إن هذا الخطاب قد خوطب به رسول الله كما خوطب به كل من قبله من الأنبياء الموحي إليهم.
أفيقول: إن خطاب الأنبياء بذلك كان مما يشبه هذه الحادثة، أو لم يتدبر ما في هذه السورة الشريفة من التشديد والتفنن في زجر المشركين عن شركهم وتوبيخهم وبيان ضلالهم فيه، وفي المحاماة عنه والدعوة إليه، فمرة يزجرهم الله بالحجة عليهم بالتجائهم بمقتضى فطرتهم إلى ناحية التوحيد حينما يضايقهم الضر، ثم يرجعون إلى ضلالهم وإضلالهم في الرفاهية، كما في الآية الحادية عشر.
ومرة باعترافهم بأن الخالق القادر هو الله مع عجز الأنداد عن النفع والضر كما في الآية التاسعة والثلاثين.
مرة بضرب المثل فيما يشهد به الوجدان من اختلال النظام بالشركة والشركاء كما في الآية الثلاثين.
ومرة يوبخهم ويقطع آمالهم ويخيب أطماعهم بتلقين رسول الله أعلامهم