ورابعها: الذي يكشف الحجاب ما صح نقله عن جعفر الصادق وهو الإمام السادس من أهل البيت حيث قال في نبيذ السقاية: أن العباس كانت له حبله وهي الكرم، فكان ينقع الزبيب غدوة فيشربونه بالعشي وينقعه بالعشي ويشربونه غدوة يريد أن يكسر به غلظ الماء على الناس.
وأما سر تقطيبه صلوات الله عليه في رواية ابن عباس فليس لأن النبيذ الذي أعطي له كان من القسم المسكر، بل لأن حلاوة التمر والزبيب كانت زائدة على المتعارف من نبيذ الأسقية، فإن الحلاوة إذا ظهر أثرها مع مرارة الماء كانت من المهوعات فزاد عليها من الماء إلى أن ردها إلى النحو المتعارف، وأرشدهم إلى أن هذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه هذا النحو من المشروب لإصلاح طعم الماء.
ولو تنزلنا وفرضنا أن النبيذ المذكور في الروايتين كان من القسم المسكر لكانتا دليلا على أنه صلوات الله عليه كان يعاف المسكر ويشمئز ويقطب وجهه الشريف منه ولم يشربه حتى أخرجه عن موضوعه وصورته بإراقة الماء الكثير عليه... أفبهذا يتشبث الكاتب ويقول بملئ فمه ومهوى قلمه أن رسول الله " ص " شرب الخمر.
وقد فات المتكلف الشنب فإن في أخبار الآحاد التي لا تقيم لها الجامعة الإسلامية وزنا ما يساعفه على مقصوده بعض المساعفة، فقد روى في مسند أحمد أن رجلا كان إذا قدم المدينة أهدى لرسول الله " ص " خمرا فقد مرة ومعه زق خمر ليهديه إلى رسول الله " ص " فقيل له: إن الخمر قد حرمت ولكن ماذا يعمل الوهم من هذا الخبر في مقابلة متواترات الآثار ومعلومات السير بأن قدس رسول الله لا تحوم حوله هذه الأوهام.
وقد جاء عنه صلوات الله عليه في مستفيض الحديث من طريق أهل البيت قوله " ص ": أول ما نهاني عنه ربي شرب الخمر وعبادة الأوثان، وكفاك أن مشركي قريش والعرب قد تمحلوا في تكذيب رسول الله " ص " وكابروا الوجدان وغالطوا العيان بدعواهم أنه صلوات الله عليه مجنون ولو أنه صلوات