وثانيها: ما طلبه الشرع من مكارم الأخلاق، كإفشاء السلام ونحوه، لما فيه من المصالح، وهذا مقصود الشارع، فإذا وجد منه الامتثال كان قربة، وإن وجد بدونها كان من جملة المباحات.
وثالثها: ما لا يستقل بتحصيل مصلحة، ولا يفعل إلا على وجه التوصل به إلى غيره، كالمشي ونحوه، فهذا لا يقع غالبا إلا على وجه الوسيلة، فيكون بحسب ما يقصد به، إن قصد به حرام كان حراما، أو مباح كان مباحا، أو قربة كان قربة، وإن وقع من المكلف لا بقصد أصلا كان عبثا، فيكون مكروها.
ولا نزاع في هذا القسم أنه إذا قصد به القربة كان قربة، وهو القسم الذي نحن بصدده، وتصدينا لتقرير كونه قربة.
ورابعها: ما وضع مباحا مقصودا لتحصيل المصالح الدنيوية، كالأكل والشرب والنوم لمصلحة الأبدان، فهذا إن حصل بغير نية أو بنية دنيوية، كان مستوي الطرفين، وإن حصل بنية دينية، حصل الأجر إما على النية وحدها، كما ذكره بعض العلماء، وإما على النية مع الفعل، وهو الحق لما سبق.
وهذا القسم الرابع أخفض رتبة من الوسيلة، كما أن الوسيلة أخفض رتبة من القسمين الأولين.
فقد تقرر بهذا: أن وسيلة القربة قربة، والسفر بقصد الزيارة وسيلة إليها، فتكون قربة.
فإن قلت: قد يقول الخصم: الزيارة قربة في حق القريب خاصة، أما البعيد الذي يحتاج إلى سفر فلا، وحينئذ لا يكون السفر إليها وسيلة إلى قربة في حقه، وإنما تكون الوسيلة قربة إذا كانت يتوصل بها إلى قربة مطلوبة من ذلك الشخص المتوسل.
قلت: الزيارة قربة مطلقا في حق القريب والبعيد، فإن الأدلة الدالة عليها غير