وأما الشبهة هذه - حيث حمل أخذ موسى لحية ورأس هارون على معنى غير صحيح - فيردها كلمات أهل السنة أيضا، فقد ذكر الرازي ضمن الكلام على هذه الآية:
" وثانيها: إن موسى عليه السلام أقبل وهو غضبان على قومه، فأخذ برأس أخيه وجره إليه كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب، فإن الغضبان المتفكر قد يعض على شفتيه ويفتل أصابعه ويقبض على لحيته، فأجرى موسى عليه السلام أخاه هارون مجرى نفسه، لأنه كان أخاه وشريكه، فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في حال الفكر والغضب.
وأما قوله * (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) * فلا يمتنع أن يكون هارون عليه السلام خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل من سوء ظنهم أنه منكر عليه غير معاون له. ثم أخذ في شرح القصة فقال: * (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) *.
وثالثها: إن بني إسرائيل كانوا على نهاية سوء الظن بموسى عليه السلام، حتى أن هارون غاب عنهم غيبة، فقالوا لموسى: أنت قتلته، فلما وعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وكتب له في الألواح كل شئ، ثم رجع فرأى من قومه ما رأى، فأخذ برأس أخيه ليدنيه فيتفحص عن كيفية الواقعة، فخاف هارون عليه السلام أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له، فقال إشفاقا على موسى:
* (لا تأخذ بلحيتي) * لئلا يظن القوم ما لا يليق بك " (1).