من الهجرة، وكانت أبعد الغزوات، وسافر فيها - صلى الله عليه وسلم - إلى بلاد الشام وجهته، فلم يطمئن قلبه في الاستخلاف إلى غير وصيه - صلى الله عليه وسلم -، أما في غيرها من الغزوات فقد كان فيها سيفه الذي يفلق به الهام ويسيل تحته مهج الطغام، وهذه الغزاة قد كثر فيها جند الإسلام، فكان تخليفه على أهله أهم، لبعد السفرة وخروجه - صلى الله عليه وسلم - عن بلاد العرب، وأنها لا تصلح المدينة إلا به أو بعلي عليه السلام. كما في بعض طرق الحديث: إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فكان استخلافه أرجح من خروجه " (1).
فقد عرفت أن رواة هذا اللفظ هم كبار الأئمة الأعلام، كالبزار، والحاكم - وصححه - والعاقولي، وابن مردويه الإصبهاني...
هذا... ولكن ابن تيمية يقول:
" وأما قوله: ولأنه الخليفة مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فعند موته بطول الغيبة يكون أولى بأن يكون خليفة.
فالجواب: إنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي غير واحد، استخلافا أعظم من استخلاف علي، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليا، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع، فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة، بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه وأعظم مما استخلفه، وآخر استخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان علي باليمن وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير على. فإن كان أصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك. وبالجملة، فالاستخلاف على المدينة ليس من