والعادة - من النص على خلافة شخص خلافته مطلقا حسبما يتناوله اللفظ، وإلا لزم أن لا يكون الخليفة عمن خرج من الرؤساء خليفة عنه إلا في ساعة واحدة مثلا، وهذا بديهي البطلان حتى عند الرازي حيث قال: يكون ذلك الاستخلاف مخصوصا بتلك السفرة.
لكن الإختصاص بتلك السفرة أيضا غير صادق في مثل خلافة هارون عليه السلام، لأن خلافته - كما نص عليه الجامي والقيصري - بقوله * (اخلفني) * كانت سبب قوة نسبته إلى الإمامة ومن هنا أضيفت حكمته إليها دون غيرها من الصفات، فلو اختصت خلافته عن موسى بتلك السفرة فقط لزم وقوع القصور والفتور في نسبة الإمامة إليه بعد رجوع موسى، وأن تتبدل القوة إلى الوهن والضعف، معاذ الله من ذلك... فإنه موجب لانحطاط مرتبته ومستتبع للتنفير عنه...
ثم قال الرازي:
" ثم إن سلمنا أن الاستخلاف كان ثابتا في كل الأزمنة، فلم قلتم إن إزالته منفر؟ بيانه: إن العزل إنما يكون منفرا إذا انحط المعزول عن مرتبة ارتفع بها، فأما إذا زال عنه ما لم يرتفع فإنه لا يكون ذلك منفرا. ومعلوم أن هارون كان شريكا لموسى عليهم السلام في أداء الرسالة، وهذا أرفع المنازل، وقد يكره الإنسان أن يكون خليفته شريكه في الرياسة، وإذا جاز أن يكون ذلك مكروها جاز أن لا يحصل له بسبب حصوله زيادة ولا نقصان، فلا يكون ذلك منفرا ".
أقول:
وهذا الكلام في غاية الشناعة والفظاعة، إذ كيف يحتمل تلك الكراهة وكيف يجوزها مسلم عاقل؟ ومع هذا كله، فقد قطع الرازي نفسه جذور هذه