مع الحكم السابق أصلا، فلا يكون الاستثناء منقطعا حينئذ، لما تقرر عند أئمة العربية والأصول من اشتراط وجود مخالفة بوجه من الوجوه في صحة الاستثناء المنقطع...:
قال ابن الحاجب: " ولا بد لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه... ".
وقال العضد الإيجي: " واعلم أنه لا بد لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه، وقد يكون بأن ينفى من المستثنى الحكم الذي يثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلا حمارا، فقد نفينا المجئ عن الحمار بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكما آخر مخالفا للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالف للزيادة. وكذا: ما نفع إلا ما ضر. ولا يقال: ما جاءني زيد إلا أن الجوهر الفرد حق. إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين. وبالجملة: فإنه مقدر ب " لكن " فكما تجب فيه مخالفة إما تحقيقا مثل: ما ضربني زيد لكن ضربني عمرو، وإما تقديرا مثل: ما ضربني لكن أكرمني، فكذا هنا " (1).
إذن، يكون حال: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا عدم النبوة " حال: " ما جاءني زيد إلا أن الجوهر الفرد حق " في عدم الصحة، لعدم مخالفة بوجه من الوجوه بين " عدم النبوة " وبين " ثبوت منزلة هارون لأمير المؤمنين عليهما السلام " على تقدير عدم عموم المنزلة...
فثبت أن حمل " إنه لا نبي بعدي " في الكلام النبوي على عدم النبوة، واستثنائه من " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " يخرجه عن الرزانة والمتانة، والعياذ بالله من ذلك...