أحدها: إن أساس استدلال الشيعة بحديث " أنا مدينة العلم " كما ذكر البنباني أيضا هو بدلالته على أعلمية الإمام أمير المؤمنين، وهي تكشف عن الأفضلية وتستلزم الخلافة والإمامة كما يدل عليه قصة آدم عليه السلام... وقد علمت أن دلالة الحديث على الأعلمية تامة بكل وضوح، حتى اعترف بها جماعة من علماء أهل السنة، وذكر المناوي أنها مما اتفق عليه الموافق والمخالف، ومن هنا ترى البنباني عاجزا عن الجواب على هذا الاستدلال القوي المتين، بل زاد في تقريره جملة: " وعلم النبي صلى الله عليه وسلم كما هو أزيد كذلك علم علي ".
الثاني: قد ذكر البنباني وجه استدلال الشيعة بحديث: أنا دار الحكمة " بقوله: " وأنه لا يخرج ما في الدار... ". لكنه لم يفهم مراد الشيعة من ذلك، وإلا لم يقل في الجواب: " والجواب - إن هذا يوجب... " إذ ليس مراد هم ذلك أبدا، بل المراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أودع جميع علوم الشريعة - المعبر عنها بالحكمة - عند علي عليه السلام، وأمر الأمة بالرجوع إليه والأخذ منه، وأنه لم يصل شئ من علومه صلى الله عليه وآله إلى الأمة إلا بواسطة الإمام عليه السلام.
على أنه لا يخفى على المتأمل الفرق بين تبليغ النبي ما أرسل به، وتبليغه علم ما أرسل به، ومن هنا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله بلغ ما أرسل به - وهو القرآن - إلى جميع الناس، ولكن لا يمكن القول بأنه بلغ علم القرآن إلى جميع الناس كذلك، نعم علمه أمير المؤمنين عليه السلام وجعله مبلغا لعلوم القرآن إلى الناس قاطبة، ومن هنا ذكروا أن فهم كتاب الله منحصر إلى علمه عليه السلام، قال المناوي: " قال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي، ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن القلوب [الغيوب] الحجاب، حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه " (1)... فإذا كان هذا حال علم القرآن الذي أمر