وقال الفيروزآبادي: " ولا يرد عليه رواية من أسقط الصنابحي منه، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسمع منهم، فيكون ذكر الصنابحي من باب المزيد في متصل الأسانيد ".
وعلى تقدير تسليم الغلط في إسقاط الصنابحي من الإسناد، وأن سويد بن غفلة لم يسمع هذا الحديث من الإمام عليه السلام بل سمعه من الصنابحي، فإن هذا لا يوجب الاضطراب في الإسناد، فإن من أسقط " الصنابحي " من الإسناد فقد أخطأ، والصحيح رواية البعض الآخر المذكور فيها الصنابحي، وخطأ الراوي في إسناد لا يوجب العيب في إسناد آخر صحيح، ولا يضر بأصل سند الحديث... فالتعلل بمثل هذه الأمور للقدح في الأحاديث المسندة الصحيحة من كثرة التعنت وقلة الحياء، كما نص عليه ابن حزم في (المحلى). وقد سبق كلامه حيث ذكرنا مؤيدات حديث " أنا مدينة العلم "، وأثبتنا حديث " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها "، وتكلمنا على كلام الدارقطني في هذا الحديث، فراجعه إن شئت، فهو أحرى بالرجوع لمثل هذا التحقيق، والله ولي التوفيق.
فظهر أن دعوى اضطراب إسناد حديث " أنا دار الحكمة ليست إلا توهما وسوء فهم، فلو أن العلامة الحلي رحمه الله أعرض عن ذكرها، فقد ستر معائب البغوي وليس في الحديث عيب أبدا... وإن هذا الذي زعمه ابن روزبهان لم يثمر إلا الكشف عن توهم البغوي وقلة فهمه للدقائق العلمية، قال الله تعالى:
(يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين).
وإن تشدق القوم وتعنتوا قطعنا ألسنتهم بنقل كمال الدين ابن طلحة الشافعي - وهو أقدم زمانا من العلامة الحلي رحمه الله، وقد ترجم له بكل تبجيل في (مرآة الجنان) و (طبقات الشافعية) للسبكي والاسنوي وغيرها - حديث " أنا دار الحكمة وعلي بابها " - عن (المصابيح للبغوي) كما نقل العلامة الحلي، وهذا عين عبارته في بيان أدلة علم الإمام عليه السلام: