لكن أبا جندل لم يجبه إلى قتل أبيه خشية الفتنة، وعملا بما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الصبر والاحتساب.
وقال لعمر: مالك لا تقتله أنت؟
قال عمر: نهانا رسول الله عن قتله وقتل غيره.
فقال أبو جندل: ما أنت أحق بطاعة رسول الله مني (1).
فنلاحظ من ذلك أن حلم أبي جندل أكثر من حلم البعض، وأن عمر يتصرف تصرفا شخصيا ولا يفكر بعاقبة الأمور. إذ لو أقدم أبو جندل على قتل أبيه لحدثت فتنة بين الفريقين تطول مدتها، والنبي (صلى الله عليه وآله) يريد فتح مكة بأسهل الطرق وإقصرها مدة.
وعمر بطبيعته يفكر بانفعال وعجلة. إذ كيف تمر حادثة مقتل عمرو بن عبد ود العامري بسهولة. إذ سوف تفهمها قريش بكونها غدرا من النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وسهيل سفير قريش، والسفير لا يقتل، لذلك لم يقتل كسرى الفرس الكافر سفير النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، بل قال: لو كان السفير يقتل لقتلته...؟! فهل يكون النبي (صلى الله عليه وآله) دون كسرى في الوفاء بالعهود والأعراف والعياذ بالله!!
وقد رفض عمر بنود صلح الحديبية، وقال ما شككت إلا يومئذ، فيكون طلبه قتل سفير قريش نابعا من رغبته في تحطيم معاهدة الحديبية؟
ونحن هنا نبحث عن معالم شخصية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ومن خلال ترغيبه ومساعدته على قتل سفير قريش، ورئيس وفدها، وأحد وجوهها البارزين، نتذكر ما صمم عليه عمر في مكة من نيته وعزمه على قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، ونتذكر طلبه من أبي بكر الإقدام على قتل علي (عليه السلام) بعد حادثة السقيفة، وطلبه من جماعته قتل سعد بن عبادة (رئيس الأنصار).