ب - الهوى النفسي وهذا المانع في نظر القرآن ثاني أخطر مزالق الفكر، ولا يقل خطرا عن سابقه إن لم يكن أكبر منه خطرا.
فعندما يحب الإنسان شيئا ويتعلق به تعمى بصيرة عقله وتصم مسامع فكره، وبالتالي لا يقدر أن يتبين أو يدرك مواضع الضعف في محبوبه المعشوق، وهكذا الحال بالنسبة لخصيصة المقت، وعليه، لو أراد أن يميز مواطن الضعف والقوة في نظرية ما ويفكر فيها تفكرا صائبا فعليه أن يتحرر من الميول والرغبات النفسية أولا لأن هذه الميول والرغبات تؤثر في اعتقاده، شاء أم لم يشأ.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنه اشتهر عن العلامة الحلي (1) عندما أراد أن يفتي فيما إذا كان ماء البئر قد أصبح نجسا هل يمكن تطهيره أو لا؟ أمر بردم بئر منزله أولا، ثم بدأ بمطالعة النصوص الفقهية في هذا الصدد، ثم أفتى بعد ذلك بأنه لو أصبح ماء البئر نجسا أمكن تطهيره طبقا لما جاء في الكتب الفقهية.
فالعلامة الحلي كان يعلم أنه لو لم تردم بئر منزله لأثر وجودها في رأيه وفتواه بصورة لا إرادية، وهذه حقيقة لا تنكر، فالإنسان لا يمكنه أن يدرك الحقائق العقلية حق الإدراك أو يبدي رأيا صائبا فيها إلا إذا ردمت بئر ميوله ورغباته النفسية وتحرر ذهنه من قيد هواها (2)، وعليه، فكلما تحرر ذهن المحقق أو الباحث من الميول والرغبات النفسية اقترب من الصواب، كما قال الإمام علي (عليه السلام):
أقرب الآراء من النهى أبعدها من الهوى (3)