الحقيقة، ومثله كمثل من يثبت له وجود الله تعالى بأدلة مؤكدة واضحة ولكنه لدوافع خاصة يتلفظ بإنكار وجوده تعالى، فهو على حد وصف الإمام على (عليه السلام):
تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود. (1) ومصداق ذلك فرعون وأتباعه الذين أخبر القرآن عنهم بأنهم عرفوا الحقيقة وتيقنوها بالأدلة والبراهين الجلية التي أتى بها نبي الله موسى (عليه السلام) لإثبات وجود الله تعالى وإثبات نبوته (عليه السلام) ولكنهم أبوا الاعتراف بالحقيقة وكذبوه وأنكروا وجود الله عز وجل بدافع من استعلائهم واستكبارهم وطغيانهم وإجرامهم، وهذا ما قاله القرآن عنهم:
(وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا). (2) إن الأدلة الواضحة التي أتى بها موسى (عليه السلام) ومنطقه القوي ومعجزاته طمأنت فرعون وأتباعه إلى صدق موسى فيما يقول، وإن الله الذي يتحدث عنه رسله هو خالق الكون ورب العالمين، بيد أنهم - رغم هذا اليقين والطمأنينة القلبية - أنكروا آيات الله وكذبوا نبيه واعتبروا ربه أسطورة! ألا يصح لنا هنا أن نسأل:
لماذا كان هذا؟!
فيجيب القرآن الكريم على هذا السؤال بأن السبب والدافع لهذا الإنكار هو الظلم وحب الاستعلاء. لقد كانوا يعلمون بأنهم لو اعترفوا بصدق موسى (عليه السلام) وحقانيته وبربه الذي أرسله لوجب أن ينتهوا عن الظلم والإجرام وحب التعالي والرئاسة، ولكن هيهات منهم ذلك! فأخفوا علمهم وحجبوا الحقيقة بستار الكفر وأنكروا آيات الله عز وجل.
لقد كان هذا في صدد الكافر غير الجاهل. أما الصورة الثانية فهي: