يذهب الرأي الأول إلى أن العقل هو مبدأ الإدراك، ولا يوجد في هذا الصدد أي فارق بين العقل النظري والعقل العملي، وإنما يكمن الفارق في الهدف؛ فإذا كان الهدف من إدراك الشيء هو معرفته لا العمل به، يسمى مبدأ الإدراك حينئذ بالعقل النظري، من قبيل إدراك حقائق الوجود، أما إذا كان الهدف من الإدراك هو العمل، فيسمى مبدأ الإدراك عند ذاك بالعقل العملي، من قبيل معرفة حسن العدل وقبح الجور، وحسن الصبر وقبح الجزع، وما إلى ذلك. وقد نسب هذا الرأي إلى مشاهير الفلاسفة، ويمثل العقل العملي - وفقا لهذا الرأي - مبدءا للإدراك وليس كمحفز أو دافع.
ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأن التفاوت بين العقل النظري والعقل العملي تفاوت في الجوهر؛ أي في طبيعة الأداء الوظيفي لكل منهما؛ فالعقل النظري هو عبارة عن مبدأ الإدراك سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، والعقل العملي مبدأ للدوافع والمحفزات لا الإدراك، ومهمة العقل العملي هي تنفيذ مدركات العقل النظري.
وأول من قال بهذا الرأي - على الأشهر - هو ابن سينا، ومن بعده قطب الدين الرازي صاحب المحاكمات، وأخيرا المحقق النراقي صاحب كتاب " جامع السعادات ". (1) أقول: النظرية الأولى أقرب إلى معنى كلمة العقل، ولكن الأصح هو تفسير العقل العملي بمبدأ الإدراك والحفز؛ وذلك لأن الشعور الذي يتعاطى مع القيم الأخلاقية والعملية هو مبدأ الإدراك، وهو في الوقت ذاته مبدأ للدفع والحفز. وقوة