ملكه كيف يشاء، ويختار بدون معارض، ولا مزاحم، ثم من المعلوم لمن تأمل في سير الأمم السالفة في أديانهم وايمانهم حال وجود الأنبياء بينهم وبعده من لدن آدم إلى ظهور الاسلام يجدهم لم يثبتوا على الايمان بعد فقد نبيهم فهذا موسى (عليه السلام) أرسل إلى بني إسرائيل بالتوراة فقالوا له اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، وعبدوا العجل مع أنه بين أظهرهم، وكذبوا الأنبياء بعده، وقتلوا البعض منهم واستمروا على ضلالهم إلا القليل منهم، وهذه الأمة المسيحية لم يمض عليها جيل واحد من رفع المسيح حتى جعلوه إلها وقالوا بصلبه، ثم لعنوه وجعلوا الاله الواحد ثلاثة والإنجيل الواحد أربعة بل مائة إنجيل، وأدخلوا ألفاظا تقشعر منها الجلود كقولهم عن الأنبياء أنهم لصوص، والإنجيل أحذية، وقولهم أن الاله صلب محقرا بيد اليهود تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وأما الأمة المحمدية فكانت أسرع الناس إجابة لداعي الحق فآمنوا بخاتم الأنبياء وثبتوا بعده على الدين كما شرع لهم ولم يشركوا مع الله أحدا ونزهوه تعالى كما يليق بجلال كبريائه، واحترموا أنبياء الله كما أمرهم الله تعالى فلم يرموا أحدا منهم بنقص كما فعلت الأمم من قبلهم بل آمنوا بهم وقالوا بعصمتهم وقد أخبر الله تعالى على لسان الصادق الأمين بان هذه الأمة شهداء على الأمم كافة يوم القيامة فكانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فهم الآخرون ظهورا والسابقون حبورا وسرورا في الدار الآخرة.
(٦٨)