وقال القاضي عياض: اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله أو إلى الله، فليس بدنو مكان ولا قرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد الصادق ليس بدنو حد، وانما دنو النبي (صلى الله عليه وسلم) من ربه وقربه منه، أبانه عظيم منزلته وتشريف رتبته، واشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، ومن الله تعالى مبرة وتأنيس وبسط وإكرام (1).
وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " فسمع النداء يقول: ادن يا محمد فدنا، فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه، فوقعت على لسانه فكانت أحلى من كل شئ، فأراه الله بها علم الأولين والآخرين " (2).
ويشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله قال (صلى الله عليه وآله): ".. * (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * قال: وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد فوجدت بردها بين ثديي فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى... وعلمني القرآن فكان جبرائيل (عليه السلام) يذكرني به " (3).
وتقدم الحديث الشريف " في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين " (4).
فيتبين أن الوحي إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان وحيا من قبل الله مباشرة، ووحي الله لا يكون إلا لدنيا.