لقد جاهد الأئمة - عليهم السلام - في إبعاد من يتصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشددوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالاتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين - عليه السلام - إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم: " أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم.
يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم. فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمرو لك في جنب ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول... " (1).
ما أعظم كلمة " وحاسبها حساب رجل مسؤول " فإن الإنسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سره بكرامة نفسه، بمعنى أنه لا يجده مسؤولا عن أعماله، ويستحقر ما يأتي به من أفعال، ويتخيل أنه ليس بذلك الذي يحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه، أن هذا من أسرار النفس الإنسانية الأمارة، فأراد الإمام أن ينبه الزهري على هذا السر النفساني في دخيلته الكامنة، لئلا يغلب عليه الوهم فيفرط في مسؤوليته عن نفسه.
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان