الأدب الإلهي الرفيع الذي يتطلبه الدين من البشر.
نعم، إن الظلم من أعظم ما حرم الله تعالى، فلذا اخذ من أحاديث آل البيت وأدعيتهم المقام الأول في ذمه وتنفير أتباعهم عنه.
وهذه سياستهم - عليهم السلام - وعليها سلوكهم حتى مع من يعتدي عليهم ويجترئ على مقامهم. وقصة الإمام الحسن - عليه السلام - معروفة في حلمه عن الشامي الذي اجترأ عليه وشتمه، فلاطفه الإمام وعطف عليه، حتى أشعره بسوء فعلته. وقد قرأت آنفا في دعاء سيد الساجدين من الأدب الرفيع في العفو عن المعتدين وطلب المغفرة لهم. وهو غاية ما يبلغه السمو النفسي والإنسانية الكاملة، وإن كان الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى جائزا في الشريعة وكذا الدعاء عليه جائز مباح، ولكن الجواز شئ والعفو الذي هو من مكارم الأخلاق شئ آخر، بل عند الأئمة أن المبالغة في الدعاء على الظالم قد تعد ظلما، قال الصادق - عليه السلام -: " إن العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو حتى يكون ظالما ". إي حتى يكون ظالما في دعائه على الظالم بسبب كثرة تكراره.
يا سبحان الله! أيكون الدعاء على الظالم إذا تجاوز الحد ظلما؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم والجور، ويعتدي على الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم أو يمشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورطهم في المهلكات أو ينبزهم ويؤذيهم، أو يتجسس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيت عليهم السلام؟ إن أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالى، وأشدهم إثما وعقابا، وأقبحهم أعمالا وأخلاقا.