العلم بك حتى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة وأشارت باستغفارك مذعنة، ما هكذا الظن بك ولا أخبرنا بفضلك ".
كرر قراءة هذه الفقرات، وتأمل في لطف هذا الاحتجاج وبلاغته وسحر بيانه، فهو في الوقت الذي يوحي للنفس الاعتراف بتقصيرها وعبوديتها، يلقنها عدم اليأس من رحمة الله تعالى وكرمه، ثم يكلم النفس بابن عم الكلام ومن طرف خفي لتلقينها واجباتها العليا، إذ يفرض فيها أنها قد قامت بهذه الواجبات كاملة، ثم يعلمها أن الإنسان بعمل هذه الواجبات يستحق التفضل من الله بالمغفرة، وهذا ما يشوق المرء إلى أن يرجع إلى نفسه فيعمل ما يجب أن يعمله إن كان لم يؤد تلك الواجبات.
ثم تقرأ أسلوبا آخر من الاحتجاج من نفس الدعاء:
" فهبني يا إلهي وسيدي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟! وهبني يا إلهي صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟! ".
وهذا تلقين للنفس بضرورة الالتذاذ بقرب الله تعالى ومشاهدة كرامته وقدرته، حبا له وشوقا إلى ما عنده، وبأن هذا الالتذاذ ينبغي أن يبلغ من الدرجة على وجه يكون تأثير تركه على النفس أعظم من العذاب وحر النار، فلو فرض أن الإنسان تمكن من أن يصبر على حر النار فإنه لا يتمكن من الصبر على هذا الترك، كما تفهمنا هذه الفقرات أن هذا الحب والالتذاذ بالقرب من المحبوب المعبود خير شفيع للمذنب عند الله لأن يعفو ويصفح عنه. ولا يخفى لطف هذا النوع من التعجب والتملق إلى