ثم إن المستوحش المتقزز من هذه المظاهر ليس لمكان ضره بالإنسان فقط فيدفع بأننا لم نجد من تضرر كما صنع ذلك العلامة الشيخ الحسين كاشف الغطاء (رض)، وإنما لأن التظاهرة الحسينية ليست منحصرة في هذا الأسلوب الذي يبدو بشعا.. ولأن كثير من الشعائر الحسينية وجد لها ارتباط بأصل القضية، فاللطم مثلا هو سابق على حادثة عاشوراء لأن جمع اليد، والضرب ناحية القلب من عادة المتفجعين.. ولبس السواد أيضا من عادتهم، مضافا إلى ورود نصوص تأريخية تقول بأن أهل البيت لبسوا السواد كذلك.
ولكن ما ربط جرح النفس والتنكيل بها بقضية عاشوراء؟ وبالمعنى الأدق: ما فلسفة التطبير وما هي القيمة الاجتماعية والدور الثقافي والتوعوي لها؟!؟! ثم كيف نتخذ له محاولات لكي نجعله معتقدا لا يحق لأحد أن يعارضنا فيه، بل يلزمه احترامه كمعتقد.. وهل هذا مما وردت فيه آية، أو سنة.. أم هل أن العقيدة لها مشرب غير ذلك فتأتي بفعل العوام وتفرض فيما بعد؟!؟!
وأما قياسه بالأمم الأخرى التي تعذب نفسها وتصنع ما تصنع من التنكيل بنفسها معتقدة بذلك.. فهذا أغرب شئ أسمعه هنا! لأن العالي لا يقاس بالداني، والحق لا ينظر بالباطل.. فما بالنا هنا نغرب ونشرق في البحث عن الوجوه والتمحلات!!
وكما قلت إن التظاهرة من أجل حادثة عاشوراء المبدئية يمكن أن تتخذ لها أساليب حضارية راقية، وسيحفظ التأريخ عقلية بعض العلماء الشباب في منطقة الخليج حيث حثوا الشبيبة أن تتقدم بالتبرع بالدم في أيام عاشوراء، وقد نصبت المخيمات لذلك، ولا زالت الشباب تتكاثر على إنفاذ هذا المشروع ونقله إلى بنوك الدم المختصة.