باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفسا، وامشوا إلى الموت سجحا، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الدين (وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).
قوله: سراجا سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله:
يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات - وفي رواية، وعنوا الأصوات - إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد أحبسوها واخفوها، نهاهم عن اللغط، والتعنية، الحبس، ومنه قيل للأسير: عان، واللؤم جمع لأمة على غير قياس، واللامة: الدرع، والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافا. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدة، وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تحلقوا. وقوله والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحا أو سجحا أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهل.
ويقال: خد أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرواق المطنب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشد به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومد طنبه، وقوله: قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا، وهو مثل قوله تعالى:
(وإذا زين لهم الشيطان أعمالهم) إلى قوله (نكص على عقبيه) أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يدا ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلا، وقوله في رواية: والحظوا الشزر، هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزرا، ولا تنظروا إليهم نظرا يبين لهم، فإن ذلك أهيب