ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه في بنات يزدجرد آخر ملوك فارس، ودلك على ما يرويه العلامة الزمخشري في كتابه " ربيع الأبرار "، فيقول رحمه الله: لما جئ إلى المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان في هذا السبي ثلاث بنات ليزدجرد، فأمر عمر رضي الله عنه ببيع البنات الثلاث، فقال الإمام علي كرم الله وجهه: إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنان السوقة. فسأله أمير المؤمنين عمر: كيف الطريق إلى العمل معهن يا أبا الحسن؟ فقال كرم الله وجهه: يقومن يا أمير المؤمنين، ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن. وقد أخذ عمر برأي الإمام فأخذهن علي رضي الله عنه، ثم دفع بواحدة لعبد الله بن عمر، ودفع بالثانية إلى محمد بن أبي بكر، ودفع بالثالثة إلى الحسين، على أن يكون البنات الثلاث زوجات لأكفائهن من العرب. وقد ولدت زوجة الحسين عليا زين العابدين الذي ينتسب إليه كل شريف حسيني على وجه الأرض، فيكون له بذلك في العرب أشرف الأصلاب إلى جانب أن له في الفرس أكرم الأرحام.
وذلك القضاء بلا ريب قضاء لا يتأتى إلا لمثل الإمام في شرف نفسه وغزارة علمه وفقهه، لما انطوى عليه الإمام من معرفة لأقدار الناس وإحسان لوزن الأمور على ما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإن تساووا هلكوا.
وقال في ص 187:
ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه العلامة التستري من أن أمير المؤمنين عمر جئ إليه بخمسة نفر أخذوا في قضية زناء، فأمر رضي الله عنه أن يقام على كل واحد منهم الحد. فجاء الإمام كرم الله وجهه فقال: ليس هذا حكمهم يا أمير المؤمنين.
فقال له عمر: أقم أنت الحد عليهم يا أبا الحسن. فقام فقدم واحدا منهم فضرب عنقه، ثم قدم الثاني فرجمه، ثم قدم الثالث فضربه الحد، ثم قدم الرابع فضربه نصف