ذلك أن العرب لم تكن تعرف هذا اللون الفاحش من الشذوذ في إرواء الشهوات الحيوانية، حتى أنهم لم يضعوا له كلمة تعبر عنه في لغتهم العربية الشريفة كما وضعوا للمفاحشة بين الرجل والمرأة كلمة الزنا، وللمفاحشة بين المرأة والمرأة كلمة السحاق، فإذا ما أرادوا التعبير عن المفاحشة بين الذكور، استخدموا كلمة اللواط يأخذونها عن قوم لوط عليه السلام، وقد كانوا لعنهم الله أول الذين ابتكروا هذه الفاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين.
فلما هدأت العاصفة في صدر الإمام كرم الله وجهه، توجه بالحديث إلى ذلك الذي جاء إليه راجيا أن يطهره، فقال له: يا هذا عد إلى منزلك فلعل سوء مزاجك هاج بك فأوقعك في هذا البلاء المبين. ولم يسع الرجل إلا أن يصدع بأمر أمير المؤمنين فرجع إلى منزله كما أمر، ولكنه ما لبث أن عاد إلى ما قد اقترفه من قبل فجاء إلى أمير المؤمنين يطلب إليه أن يطهره، فقال له كرم الله وجهه: يا هذا إن تطهيرك مما قارفته يقتضي أحد أمور ثلاثة: أن يضرب عنقك بالسيف ضربة بالغة ما بلغت، أو أن تقذف من شاهق جبل مشدود اليدين والرجلين، أو أن تحرق بالنار. فاختر أيهن شئت.
ولم يشأ الرجل أن يختار حتى أقبل علي أمير المؤمنين يسأله: أي الثلاثة أبلغ أذى وأشد إيلاما يا أمير المؤمنين؟ فأجابه كرم الله وجهه: الحرق بالنار هو الأبلغ الأشد. فقال الرجل: فإني قد أخذت هذا على ما سواه فطهرني به رضي الله عنك.
فأجابه أمير المؤمنين: خذ لذلك أهبتك واستعد. ولم تكن أهبة الرجل إلا أن يفزع إلى الصلاة، فقام فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده يدعو الله تعالى ويقول: اللهم إني قد أتيت من الذنب ما قد علمت، وقد جئت لابن عم نبيك أسأله أن يطهرني فخيرني بين ثلاث شدائد فاخترت أشدها الإحراق بالنار، اللهم إني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنبي وألا تحرقني بنار الآخرة. ثم قام يبكي حتى جلس في الحفرة التي حفروها له وهو يرى النار تتأجج، ولم يتمالك أمير المؤمنين أن بكى وبكى معه أصحابه، ثم قال الرجل: يا هذا إنك أبكيت ملائكة الله في سمائه وأرضه وإني أرى